مقدار ما يثبت بالادلة المحرزة

الدليل المحرز له مدلول مطابقي ومدلول التزامي , فكلما كان الدليل المحرز حجة ثبت بذلك (حجية) مدلوله المطابقي , واما (حجية)مدلوله الالتزامي ففيه بحث ,وحاصله ان الدليل المحرز :
1- اذا كان قطعياً فلا شك في ثبوت حجية مدلولاته الالتزامية به لانها تكون قطعية ايضا فتثبت حجيتها بالقطع كما يثبت حجية المدلول المطابقي بذلك (بالقطع).
2- واذا كان الدليل المحرز ظنياً وقد ثبتت حجيته بجعل من الشارع كما في الامارة , مثل خبر الثقة وظهور الكلام فهنا حالتان :
 الاولى : ان يكون موضوع الحجية - اي ما حكم الشارع بأنه حجة ( وبانه منجز ومعذر )-
((صادقاً على الدلالة الالتزامية كصدقه على الدلالة المطابقية )) , ومثال ذلك : ان يرد دليل على حجية ((خبر الثقة)) ويقال بأن الاخبار عن شيء اخبارعن لوازمه ( اذن كلما يصدق الاخبار فهو حجة , والاخبار عن شيء اخبار عن لوازمه اذن فاللوازم فيها اخبار , ايضا هذا اخبار عن اللازم فيشمله دليل الحجية ), وفي هذه الحالة يثبت ( حجية) المدلول الالتزامي لانه مما اخبر عنه الثقة بالدلالة الالتزامية فيشمله دليل الحجية المتكفل للامر بالعمل بكل ما اخبر به الثقة مثلاً.
الثانية: ان لا يكون موضوع الحجية صادقاً على الدلالة الالتزامية فقط على الدلالة المطابقية ومثال ذلك :
ان يرد دليل على حجية ظهور اللفظ , فان الدلالة الالتزامية غير العرفية ليست ظهوراً لفظياً فلا تشكل فرداً ومصداقاً من موضوع دليل الحجية ,فمن هنا يقع البحث في حجية الدليل لاثبات المدلول الالتزامي في حالة من هذا القبيل.
اشكال : وقد يستشكل في ثبوت هذه الحجية بدليل حجية الظهور , لان دليل حجية الظهور لايثبت الحجية الا لظهور اللفظ , والدلالة الالتزامية لهذا الظهور ليست ظهوراً لفظياً فلا تكون حجة ,( وهنا يريد القول انه يوجد بعض الملازمات العرفية وهذه يمكن ان يعتمدها الشارع المقدس , ولكن مع ذلك ايضا يسجل ما يشبه الاشكال ) ومجرد علمنا من الخارج او من العرف (( بان ظهور اللفظ اذا كان صادقاً فدلالته الالتزامية صادقة ايضا )) لا يبرر استفادة الحجية للدلالة الالتزامية , لان الحجية حكم شرعي , وقد يخصصه باحدى الدلالتين دون الاخرى على الرغم من تلازمهما في الصدق .
ويوجد في هذا المجال اتجاهان :
احدهما : للمشهور وهو : ان دليل الحجية كلما استفيد منه جعل الحجية لشيء بوصفه ( او بما هو ) امارة على الحكم الشرعي كان كافيا لاثبات لوازمه ومدلولاته الالتزامية .
وعلى هذا الاساس وضعوا قاعدة مؤداها ان (( مثبتات الامارات حجة)) , اي ان الامارة كما يعتبر اثباتها لمدلولها المطابقي حجة , كذلك اثباتها لمدولها الالتزامي ( والاصل العملي لا تكون مثبتاته حجة ).
والاتجاه الاخر : للسيد الخوئي : حيث ذهب الى مجرد قيام دليل على حجية امارة على اساس ما لها من كشف عن الحكم الشرعي لا يكفي لذلك , اذ من الممكن ثبوتاً ( في عالم الامكان ) :
1- ان الشارع يتعبد المكلف بالمدلول المطابقي من الامارة فقط ( يجعل الحجية للمدلول المطابقي فقط).
2- كما يمكنه ان يتعبده بكل ما تكشف عنه الامارة مطابقة او التزاماً .
وما دام كلا هذين الوجهين ممكناً ثبوتاً فلا بد لتعيين الاخير منهما ( الذي يشمل الحصتين المطابقي والالتزامي ) من وجود اطلاق في دليل الحجية يقتضي امتداد التعبد وسريانه الى المداليل الالتزامية ( يعني احتاج الى قرينة خاصة تدل على الاعم من المطابقي والالتزامي ).
والصحيح هو الاتجاه الاول , وذلك لاننا عرفنا سابقا ان الامارة معناها الدليل الظني الذي يستظهر من دليل حجيته ( اي الحكم الظاهري) , ان تمام الملاك بحجيته هو كشفه ( قوة الاحتمال ) بدون نظر الى نوع المنكشف ( اهمية المحتمل ) وهذا الاستظهار متى ما تم في دليل الحجية كان كافياً لاثبات الحجية في المدلولات الالتزامية ايضاً لان نسبة كشف الامارة الى المدلول المطابقي والالتزامي بدرجة واحدة دائماً , وما دام الكشف هو تمام الملاك للحجية بحسب الفرض فيعرف من دليل الحجية ان مثبتات الامارة كلها حجة على خلاف ذلك الاصول العملية تنزيلية او غيرها  فانها لما كانت مبنية على ملاحظة نوع المؤدى كما تقدم فلا يمكن ان يستفاد من دليلها اسراء التعبد الى كل اللوازم الا بعناية خاصة في لسان الدليل ( هنا ممكن ان تعترض وتقول انك طرحت في الاصول العملية فقط اذا كانت غير تنزيلية , واذا كانت تنزيلية الا يدخل نوع المؤدى فيها ؟
ونجيب بنعم نقول ان الاصول العملية التنزيلية الملاك فيها مركب من قوة الاحتمال ونوع المحتمل , وقوة الاحتمال كما يمكن ان يكون الترجيح بنوع الحكم او نوع المدلول الالتزامي وقوة الاحتمال الالتزامي مضافة الى المدلول المطابقي نوع وقوة وممكن ان تكون قوة هذا ونوع هذا او نوع هذا وقوة هذا فأصبح عندي اكثر من احتمال , يعني عندما ااخذ المدلول المطابقي فيه قوة احتمال ونوع المحتمل والمدلول الالتزامي فيه قوة الاحتمال ونوع المحتمل وثالثة قوة احتمال وقوة احتمال ونوع محتمل وهكذا نعكس من الجانب الاخر نقول قوة احتمال ونوع محتمل في الالتزامي مع قوة احتمال في المطابقي واخرى نقول قوة احتمال ونوع محتمل في الالتزامي مع نوع محتمل في المطابقي ... وهكذا يكون عندي اكثر من احتمالين اي منهما احدد ؟
فهنا احتاج الى اطلاق شمول كل الحالات حتى اقول المدلول الالتزامي مشمول بالحجية ) ومن هنا قيل ان الاصول العملية ليست حجة في مثبتاتها اي في مدلولاتها الالتزامية , وسياتي تفصيل الكلام عن ذلك في ابحاث الاصول العملية ان شاء الله تعالى .