الوضع وعلاقته بالدلالات المتقدمة

والدلالات التصورية هي في حقيقتها علاقة سببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى , ولما كانت السببية بين شيئين لا تحصل بدون مبرر اتجه البحث الى تبريرها , ومن هنا نشأت عدة احتمالات :

الاول (الاتجاه الذاتي ) : احتمال السببية الذاتية بأن يكون اللفظ بذاته دالاً على المعنى وسببا لاحضار صورته .
ولا شك في سقوط هذا الاحتمال وجداناً لما هو معروف بالخبرة والملاحظة من عدم وجود اية دلالة للفظ لدى الانسان قبل الاكتساب والتعلم . فدليل الاكتساب والتعلم هو له علاقة بدلالة اللفظ , واذ لو كانت الدلالة ذاتية لما احتاج الى الاكتساب والتعلم سواء كان طفلاً او من لا يعرف اللغة .

الثاني ( الاتجاه الموضوعي ) : افتراض ان السببية المذكورة نشأت من وضع الواضع اللفظ للمعنى والوضع يكون اما :
أ- بالاعتبار : وهو نوع اعتبار يجعله الواضع وان اختلف المحققون في نوعية المعتبر فهناك من قال :
1- انه اعتبار سببية اي تصور اللفظ لتصور المعنى .
2- انه اعتبار كون اللفظ اداة لتفهيم المعنى .
3- انه اعتبار كون اللفظ على المعنى (علامة على المعنى ) كما توضع الاعمدة على رؤوس الفراسخ .
ويرد على هذا المسلك (مسلك الاعتبار) بكل محتملاته ان سببية اللفظ لتصور المعنى سببية واقعية بعد الوضع ومجرد اعتبار كون شيء سبباً لشيء او اعتبار ما يقارب هذا المعنى لا يحقق السببية واقعاً , فلا بد لاصحاب هذا المسلك في الوضع ان ييفسروا كيفية نشوء السببية الواقعية من الاعتبار المذكور وقد يكون عجز هذا المسلك عن تفسير ذلك ادى باخرين (كالسيد الخوئي) الى اختيار الاحتمال الثالث الاتي :

ب- نظرية التعهد : ان دلالة اللفظ تنشأ من الوضع كما في الاعتبار , والوضع ليس اعتباراً بل هو تعهد من الواضع (( بأن لا ياتي باللفظ الا عند قصد تفهيم المعنى )) وبذلك تنشأ ملازمة (من هذا التعهد) بين الاتيان باللفظ وقصد تفهيم المعنى ( لاحظ! الاتيان , قصد) لم يتحدث مع الصور ونستكشف من هذا وجود دلالة تصديقية في هذا المقام .

الفرق بين الاعتبار والتعهد :
الفرق الاول : ولازم ذلك ان يكون الوضع هو السبب في الدلالة التصديقية ( لفظ وقصد تفهيم المعنى ) المستبطنة ضمناً للدلالة التصورية (ولا دلالة تصديقية الا وان تسبقها دلالة تصورية ) , بينما على مسلك الاعتبار لا يكون الوضع سبباً الا للدلالة التصورية وهذا فرق مهم بين المسلكين الاعتبار والتعهد .
الفرق الثاني : وهناك فرق اخر وهو انه بناء على نظرية التعهد يجب افتراض كل متكلم متعهداً وواضعاً لكي تتم الملازمة في كلامه بان لا ياتي باللفظ الا عند قصد تفهيم المعنى ,
واما بناء على مسلك الاعتبار فيفترض ان الوضع اذا صدر في البداية من المؤسس اوجب دلالة تصورية عامة لكل من علم به بالوضع بدون حاجة الى تكرار عملية الوضع من الجميع.

ويرد على مسلك التعهد :
اولاً: ان المتكلم لا يتعهد (عادة) بان لا ياتي باللفظ الا اذا قصد تفهيم المعنى الذي يريد وضع اللفظ له , لان هذا يعني التزامه اي التزام المتكلم ضمناً بأن لا يستعمله مجازاً , مع ان كل متكلم كثيرا ما ياتي باللفظ به تفهيم المعنى المجازي فلا يحتمل صدور الالتزام الضمني المذكور من كل متكلم .
وثانياً: ان الدلالة اللفظية والعلقة اللغوية بموجب هذا المسلك تتضمن اتدلالاً منطقياً وادراكاً للملازمة وانتقالاً من احد طرفيها الى الاخر مع ان وجودها في حياة الانسان يبدا منذ الادوار الاولى لطفولته وقبل ان ينضج اي فكر استدلالي له وهذا يبرهن على انها ابسط من ذلك ( اي ابسط من نظرية التعهد)
ثالثاُ: انتفاء المشترك اللفظي بناء على مسلك التعهد والسيد الخوئي لا يقول بذلك اي انتفائه !!.

ج- نظرية القرن الاكيد:
والتحقيق ان الوضع يقوم على اساس قانون تكويني للذهن البشري , وهو كلما ارتبط شيئان في تصور الانسان ارتباطاً مؤكداً اصبح بعد ذلك تصور احدهما مستدعياً لتصور الاخر وهذا الربط بين تصورين :
تارة : عملية غير مقصودة
يحصل بصورة عفوية كالربط بين سماع الزئير وتصور الاسد الذي حصل نتيجة التقارن الطبيعي المتكرر بين سماع الزئير ورؤية الاسد .
واخرى: عملية مقصودة
يحصل بالعناية التي يقوم بها الواضع اذ يربط بين اللفظ وتصور معنى مخصوص في ذهن الناس فينتقلون( بعد توسط القانون الذهني)  من سماع اللفظ الى تصور المعنى  وهو بذلك كالاعتبار ولكن يزيد عنه باضافة التوسط الذهني او القانون التكويني للذهن وبذلك صح ان يقال ان الوضع هو قرن مخصوص بين تصور اللفظ وتصور المعنى بنحو اكيد لكي يستتبع ( نتيجة هذا القانون الذهني) حالة اثارة احدهما للاخر في الذهن .

ومن هنا نعرف ان الوضع ليس سببا الا للدلالة التصورية واما الدلالتان التصديقيتان الاولى والثانية فمنشأهما الظهور الحالي والسياقي للكلام لا الوضع .