النسب بين نقيضي الكليين

كل كليين بينهما أحدى النسب الأربع لابد إن يكون بين نقيضهما أيضا نسبة من النسب( 1) كما سيأتي. ولتعيين النسبة يحتاج إلى إقامة البرهان( 2). وطريقة البرهان التي نتبعها هنا تعرف (بطريقة الاستقصاء) أو طريقة الدوران والترديد، وسيأتي ذكرها في بحث (القياس الاستثنائي). وهي إن تفرض جميع الحالات المتصورة للمسألة، ومتى ثبت فسادها جميعاً عدا واحدة منها فإن هذه الواحدة هي التي تنحصر المسألة بها مع البرهان فنقول:
1- نقيضا المتساويين متساويان أيضاً: أي إنه إذا كان الإنسان يساوي الناطق فإن  الإنسان يساوي لا ناطق (3) .
وللبرهان على ذلك نقول:المفروض:
إن ب = ج
المدعى: لا ب = لا ج
البرهان:لو
لم يكن لا ب = لا ج
لكان بينهما إحدى النسب الباقية( 4) وعلى جميع التقادير إحدهما لابدَّ أن يصدق أحدهما بدون الآخر في الجملة (5).
فلو صدق لا ب بدون لا ج
لصدق لا ب مع ج لأن النقيضين لا يرتفعان ولازمه ألا يصدق ب مع ج لأن
النقيضين لا يجتمعان وهذا خلاف المفروض، وهو ب = ج( 6) وعليه، فلا يمكن إن
يكون بين لا ب ولا ج من النسب غير التساوي فيجب إن يكون لا ب = لاج
و. هـ. م

2- نقيضا الأعم والأخص مطلقاً بينهما عموم وخصوص مطلقاً:
 ولا على العكس: أي إن نقيض الأعم أخص ونقيض الأخص أعم( 7).
فإذا كان ب > ج
كان لا ب < لا ج
كالإنسان والحيوان فإن (لا إنسان) أعم مطلقاً (لا حيوان )، لأن (لا إنسان) يصدق
على كل (لا حيوان)، ولا عكس، فإن الفرس والقرد والطير إلى آخره يصدق عليها
لا إنسان وهي من الحيوانات وللبرهنة على ذلك نقول:المفروض
إن: ب > ج
والمدعي إن: لا ب < لا ج
البرهان: لو لم يكن لا ب < لا ج
لكان بينها إحدى النسب الباقية أو العموم والخصوص مطلقاً بأن يكون نقيض
الأعم أعم مطلقاً لا أخص.
فلو كان لا ب = لا ج
لكان ب = ج لأن نقيضي المتساويين متساويان وهو خلاف الفرض.
ولو كان بينهما نسبة التباين، أو العموم والخصوص من وجه أو إن (لا ب) أعم مطلقاً للزم على جميع الحالات الثلاث إن يصدق
لا ب بدون لا ج.
ويلزم حينئذٍ إن يصدق لا ب > ج لأن النقيضين لا يرتفعان ومعناه إن يصدق ج  بدون ب( 8 )
أي يصدق الأخص بدون الأعم، وهو خلاف الفرض
وإذا بطلت الاحتمالات الأربعة تعين إن يكون:
لا ب < لاج (وهو المطلوب)
3- نقيضا الأعم والأخص من وجه متباينان تباينا جزئيا :ً ومعنى (( التباين الجزئي)): عدم الاجتماع في بعض الموارد( 9 ).
مع غض النظر عن الموارد الأخرى، سواء كانا يجتمعان فيها أو لا، فيعم التباين الكلي والعموم والخصوص من وجه. لأن الأعم والأخص من وجه لا يجتمعان في بعض الموارد قطعا .ًوكذا يصح في المتباينين تبايناً كلياً أن يقال: أنهما لا يجتمعان في بعض الموارد.
فإذا قلنا: إن بين نقيضي الأعم والأخص من وجه تبايناً جزئياً،فالمقصود به إنهما في بعض الأمثلة قد يكونان متباينين تبايناً كلياً،
و في البعض الأخر قد يكون بينهما عموم وخصوص من وجه والأول مثل الحيوان و اللاإنسان فإن بينهما عموماً و خصوصاً من وجه لأنهما يجتمعان في الفرس، ويفترق الحيوان عن اللاإنسان في الإنسان، و يفترق اللاإنسان عن الحيوان في الحجر، ولكن بين نقيضهما تبايناً كليناً، فإن اللا حيوان يباين الإنسان كلياً و الثاني مثل الطير والأسود، فإن نقيضيهما لا طير و لا أسود بينهما عموم وخصوص من وجه أيضا .ً
لأنهما يجتمعان في القرطاس و يفترق (لا طير) في الثوب الأسود و يفترق ( لا أسود ) في الحمام الأبيض.
والجامع بين العموم والخصوص من وجه وبين التباين الكلي هو التباين الجزئي والبرهنة على ذلك نقول:
ج × المفروض ان: ب
المدعى ان: لا ب يباين لا ج تبايناً جزئياً.
البرهان: لو لم يكن لا ب يباين لا ج تبايناً جزئياً.
لكان بينهما إحدى النسب الأربع بالخصوص.
(1) فلو كان لا ب = لا ج
للزم إن يكون ب = ج لأن نقيضي المتساويين متساويان وهذا خلاف الفرض.
 (2) ولو كان لا ب < لا ج )
لكان ب > ج لأن نقيض الأعم أخص
وهذا أيضاً خلاف الفرض
(3)لا ج فقط ×  ولو كان لا ب
لكان ذلك دائماً، مع انه قد يكون بينهما تباين كلي، كما تقدم في مثال (لا حيوان وإنسان)
 (4) ولو كان لا ب // لا ج فقط
لكان ذلك دائماً أيضاً، مع انه قد يكون بينهما عموم وخصوص من وجه، كما تقدم في مثال (لا طير ولا أسود)
وعلى هذا تعين أن يكون (لا ب) يباين (لا ج) تبايناً جزئياً
( وهو المطلوب)
4- نقيضا المتباينين متباينان جزئيا أيضاً والبرهان عليه كالبرهان السابق بلا تغير إلا في المثال ( 1) لأن نرى إن بينهما في
بعض الأمثلة تبايناً كلياً، كالموجود والمعدوم و نقيضاهما اللا موجود و اللا معدوم، وفي البعض الأخر عموماً و خصوصاً من وجه، كالإنسان و الحجر ونقيضاهما لا إنسان ولا حجر، وبينها عموم وخصوص من وجه لأنهما يجتمعان في الفرس مثلاً، ويفترق كل منهما عن أخر في عين الأخر، فاللا إنسان يفترق عن  اللاحجر في الحجر، و اللا حجر عن اللا إنسان في الإنسان .



------------------------------------------------------------------
(1) أي إن كل كليين لابدَّ أن يتحقق بينهما إحدى النسب الأربعة فلذلك لابدَّ أن يتحقق بين نقيضيهما إحدى النسب الأربعة أيضاً في نفس الأمر والواقع لأن نقيضي الكليين هما أيضاً كليان والنسب الأربعة شاملة كل كليين.
 (2) وذلك لأن النسبة بين نقيضي الكليين ليست واضحة، يمكن معرفتها بالبداهة ولكن تحتاج إلى نظر واكتساب.
(3) ومثال ذلك إذا كان الوجود = و
وكان و = {1,2,3,4,5,6,7,8,9,10 }
والكلي س = (1,2,3,4,5)
فالنسبة بينهما هو التساوي أي (س = ص)
 نقيض س = لا س ( 6,7,8,9,10)
 نقيض ص = لا ص = ( 6,7,8,9,10)
إذن النسبة بين النقيضين هي التساوي أيضاً.
أي ( لا س = لا ص)
الكلي (س) =(1,2,3,4,5) إذن نقيض (س) = (لا س) =(6,7,8,9,10)
الكلي (ص)=(1,2,3,4,5) نقيض (ص) = (لاص)= (6,7,8,9,10)
النسبة بينهما (س = ص) لا س = لا ص
 (4) أي التباين أو العموم المطلق أو العموم والخصوص من وجه فلابدَّ أن تنفي هذه النسبة حتى تثبت نسب التساوي.
 (5) أي لابدَّ أن تكون في هذه النسب الثلاث الباقية على أقل التقادير فرد واحد يصدق في أحدهما (أو يصدق عليه أحدهما) ولا يصدق في الآخر.
 (6) إن قلت:
لكن: هذا المقدار لا ينفي احتمال أن يكون (لا ب) أخص من (لا ج) فلابدَّ لنفي ذلك من عكس الدليل مرة أخرى بأن يقال:
ولو صدق لا ج بدون لا ب لصدق لا ج مع ب لأن النقيضين لا يرتفعان ولازمه ألا يصدق ج مع ب لأن النقيضين لا يجتمعان
وهذا خلاف المفروض وهو ب = ج من المقرر ص 181
قلت: في هذا المستوى من التفكير في المقام فإننا لا نحتاج إلى هذه الخطوة إلا منافية لفهم المطلب لأن المسألة واضحة حيث ذكر الشيخ المظفر(قدس سره) قاعدة كلية وهي (على جميع التقادير لا بد إن يصدق إحدهما بدون الأخر في الجملة) وهذه تشمل العموم مطلق بالاتجاهين إي تشمل (لا ب > لا ج) وتشمل أيضاً (لا ب < لا ج) كما تشمل لا ب // لاج و لا ب * لا ج وفرّع على ذلك بمثال ومثاله أيضاً فيه ضابطة تدل على شمول المقام عندما يكون (لا ب) أخص من ال (لا ج) والضابطة هي قوله(قدس سره) (صدق لا ب بدون لا ج ) فلو كان (لا ب) أخص فلا تشمله الضابطة المذكورة أي (لا يصدق لا ب بدون لا ج ) ولهذا يكون اللازم علينا أن نغيّر الرموز في الضابطة فنقول إذا كان (لا ب < لا ج) وهذا يعني إن (لا ج > لا ب) (لصدق لا ج بدون لا ب)
ويتم البرهان. ولهذا نقول لا داعي لتلك الخطوة وهي عكس الدليل مرة آخرى لأن المطلب واضح ولا يحتاج لذلك لأن البرهان لا يتم إلا بعكس الدليل عندما يكون (لا ب) أخص.
(7) مثال ذلك :
اذا كان  و ={1,2,3,4,5,6,7,8,9,10}
وكان س =(1,2) فان نقيضه (لا س) = (3,4,5,6,7,8,9,10)
وكان ص = (1,2,3,4) فان نقيضه (لا ص) = (5,6,7,8,9,10)
فالنسبة عموم مطلق                 النسبة بين النقيضين عموم مطلق لكن بالعكس
أي ص > س                                        أي: لا س > لا ص
 (8) لأن النقيضين لا يجتمعان أي أن (ب) و (لا ب) لا يجتمعان.
 (9) الظاهر أن الشيخ المظفر (قدس سره) يقصد بهذه العبارة عدم الاجتماع من الجانبين أي من كلا الكليين أي يوجد أفراد و مصاديق في الكلي الأول (س) لا توجد في الكلي الثاني (ص) و أيضاً توجد أفراد أو مصاديق في الكلي الثاني (ص) لا توجد في الكلي الأول (س) لأنه لو كان عدم الإجتماع من جانب واحد فقط فإذا كانا يشتركان ويجتمعان في باقي الموارد كانت النسبة بينهما عموم مطلق وإذا كانا لا يشتركان ولا يجتمعان في باقي الموارد كانت النسبة بينهما التباين: أي سيعم التباين الكلي والعموم المطلق
بينما ما يريده المظفر(قدس سره) هو أن يعم التباين الكلي والعموم والخصوص من وجه وهذا لا يتم إذا كان عدم الإجتماع من الجانبين.