تعريف النظر او الفكر

نعرف مما سبق ان النظر أو الفكر المقصود (اجراء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب) والمطلوب هو العلم بالمجهول( 55 ) الغائب وبتعبير أدق ان الفكر هو:
 (حركة العقل بين المعلوم والمجهول)( 56). وتحليل ذلك ان الإنسان إذا واجه بعقله المشكل (المجهول)وعرف انه من أي أنواع المجهولات هو فزع عقله إلى المعلومات الحاضرة عنده المناسبة لنوع المشكل،وعندئذ يبحث فيها ويتردد بينها بتوجيه النظر إليها، ويسعى إلى تنظيمها في الذهن حتى يؤلف المعلومات التي تصلح لحل المشكل، فإذا استطاع ذلك ووجد ما يؤلفه لتحصيل غرضه تحرك عقله حينئذ منها إلى المطلوب، اعني معرفة المجهول وحل المشكل.
فتمر على العقل – إذن بهذا التحليل خمسة أدوار:
 1- مواجهة المشكل (المجهول)( 57)
 2- معرفة نوع المشكل فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه( 58)
 3- حركة العقل من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده( 59 )
4- حركة العقل – ثانياً – بين المعلومات، للفحص عنها وتأليف ما يناسب  المشكل ويصلح لحله( 60 )
5- حركة العقل – ثالثاً – من المعلوم الذي استطاع تأليفه مما عنده إلى المطلوب( 61 )
وهذه الأدوار الثلاثة الأخيرة أو الحركات الثلاث هي الفكر أو النظر وهذا معنى حركة العقل بين المعلوم والمجهول. وهذه الأدوار الخمسة قد تمر على الإنسان في تفكيره وهو لا يشعر بها فان الفكر يجتازها غالباً بأسرع من لمح البصر، على إنها لا يخلو منها إنسان في أكثر تفكيراته، ولذا قلنا ان الإنسان مفطوراً على التفكير.
نعم من له قوة الحدس يستغني عن الحركتين الأوليتين، وانما ينتقل رأساً بحركة
واحدة من المعلومات إلى المجهول( 62) .وهذا معنى (الحدس)، فلذلك يكون صاحب الحدس القوي أسرع تلقياً للمعارف
والعلوم، بل هو من نوع الإلهام وأول درجاته. ولذلك ايضاً جعلوا القضايا (الحدسيات) من أقسام البديهيات، لأنها تحصل بحركة واحدة مفاجئة من المعلوم إلى المجهول عند مواجهة المشكل، من دون كسب وسعي فكري، فلم يحتج إلى معرفة نوع المشكل ولا إلى الرجوع إلى المعلومات عنده وفحصها وتأليفها. ولأجل هذا قالوا: ان قضية واحدة قد تكون بديهية عند شخص نظرية عند شخص آخر. وليس ذلك إلا لان الأول عنده قوة الحدس ما يستغني به النظر والكسب أي ما يستغني به عن الحركتين الأوليتين، دون الشخص الثاني فانه يحتاج إلى هذه الحركات الثلاث لتحصيل المعلوم بعد معرفة نوع المشكل.



------------------------------
(55) المراد من المجهول هنا المجهول النسبي المتصور بوجه ما وليس المجهول المطلق لاستحالة تحصيل المجهول إلا
بعد تصوره بوجه ما. ولذا قيل يشترط معرفة نوع المجهول قبل عملية الفكر والنظر.
 (56 ) وهي المدركات الفكرية التي يستنتجها العقل بالتأمل والنظر ومقارنتها بتلك المعلومات المخزونة عنده يتوصل بها
إلى ترتيب أمور معلومة لتحصيل المجهول، كالذي يتوصل إليه الطبيب الماهر بمعرفة نوع المرض من خلال الامارات،الظاهرة عند المريض ومن خلال المعلومات الحاضرة في ذهنه عن ذلك المرض.
(57) بواسطة الحواس الخمسة الظاهرة والتي تسمى الحسيات.
(58 ) بواسطة الحواس الخمسة الباطنة والتي تسمى الوجدانيات.
(59 ) وهذه الحركة تسمى بالحركة الذاهبة.
(60 ) وهذه الحركة تسمى بالحركة الدائرة.
(61 ) وهذه الحركة تسمى بالحركة الراجعة.
(62 ) يمكن القول انه لابد للإنسان ان يمر بهما إلا ان وقت المرور والانتقال قصير جداً بحيث يمكن القول انه لا توجد الحركتان، نعم بالنسبة للإلهام يمكن القول انه يقرأ في الوح المحفوظ مثلًا، أو نوع الواقع وهنا نقول انه أول ما يواجه المجهول وبعد هذا لابد لصاحب الإلهام من ان ينتقل إلى المعلومات وهذه هي الحركة الثالثة (الذاهبة) وبعد هذا ينتقل من المعلومات إلى المطلوب وهي الحركة الخامسة (الحركة الراجعة) دون الحركة الدائرية أي ان الحركة الدائرية هي التي يستغني عنها صاحب الحدس أو الإلهام لو قلنا بذلك.