تعريف علم المنطق

تعريف علم المنطق( 9)
 ولذلك عرّفوا علم المنطق بانه: ( آلة( 10 ) قانونية( 11 ) تعصم( 12 ) مراعاتها الذهن( 13)عن الخطأ في الفكر فانظر إلى كلمة (مراعاتها) واعرف السر فيها كما قدمناه، فليس كل من تعلم المنطق عصم عن الخطأ في الفكر كما انه ليس كل من تعلم النحو عصم عن الخطأ في اللسان بل لابد من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة ليعصم ذهنه أولسانه (14)
المنطق آلة
وانظر إلى كلمة (آلة) في التعريف وتأمل معناها فتعرف ان المنطق انما هو من قسم العلوم الآلية( 15 ) التي تستخدم لحصول غاية، هي غير معرفة مسائل العلم، فهو يتكفل ببيان الطرق العامة الصحيحة التي يتوصل بها الفكر إلى الحقائق المجهولة،كما يبحث (علم الجبر) عن طرق حل المعادلات التي بها يتوصل الرياضي إلى المجهولات الحسابية وببيان أوضح علم المنطق يعلمك القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم فيعلمك على أية هيئة وترتيب فكري تنتقل من الصور الحاضرة في ذهنك إلى الأمور الغائبة عنك ولذا سموا هذا العلم (الميزان) و (المعيار) من الوزن والعيار، وسموه بانه خآدم
العلوم حتى علم الجبر الذي شبهنا هذا العلم به يرتكز حل مسائله وقضاياه عليه( 16) . فلابد لطالب العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة واجراء عمليتها في اثناء . الدراسة، شأن العلوم الرياضية والطبيعي(17)

------------------------------------------------------
(9) ان أول من علم وأولى اهتماماً عظيماً بخدمة هذا الفن الحضارة الإغريقية هو الفيلسوف اليوناني (أرسطو) ثم قام في تحقيقه الفيلسوف العربي محمد بن ابو نصير الفارابي ثم نقله الشيخ الرئيس ابو علي حسين بن عبد الله بن حسين المعروف بابن سينا في كتابه النجاة وغيره. فعلم المنطق يزود بقية العلوم بالقواعد العامة للتفكير الصحيح وعرفوا علم المنطق بتعريفات عديدة منها (علم
الميزان) و(رئيس العلوم) وخآدم العلوم. واشهر ما عرفوه بانه (آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الوقوع في الخطأ).
(10 ) وهي الواسطة بين الفاعل ومنفعله في وصوله اليه والمقصود ان المنطق لا يدرس ويدرس من اجل نفسه بل من اجل استخدامه في العلوم الأخرى كالفقه والأصول وغيرها، ويمكن ان يقال ان العلوم ان لم نقل كلها فجلها هي علوم آلية لعلوم أخرى أو لغايات وأهداف، فالطب يدرس من اجل تعلم العلاج للتطبيب والهندسة علم آلي بواسطته يتعلم المهندس تصميم البيت وتنفيذ البناء على المواصفات والرياضيات آلة لدراسة العلوم الأخرى ومعرفة حقائق الأشياء.
وهكذا وايضاً يقال ان المنطق يمكن ان يدرس كعلم خاص بنفسه دون استخدامه في العلوم الأخرى هذا بناء على القول بان الآلية هي واسطة لعلم آخر اما بناء على ان الآلية أعم من كونها لعلم آخر أو لغرض آخر فدراسة المنطق تكون آلة ايضاً للتفكير الصحيح أو لغرض تدريسه أو لغرض الثقافة العامة أو أي غرض آخر ممكن تصوره في المقام.
(11 ) يقصد القانونية: ان هذه الكلمة أصلها يوناني ولكن أريد بها اصطلاحاً قاعدة كلية تنطبق على جزئياتها لمعرفة أحكام الجزئيات مثل (كل ظاهر حجة) فهذه قاعدة كلية والجزئيات بالنسبة لها نحو قوله تعالى: (أقيموا الصلاة) فهذا ظاهر قرآني وهو من جزئيات القاعدة المذكورة اعرف بموجبها ان هذا القول القرآني حجة وبما ان صيغته افعل ظاهرفي الوجوب وبما ان (أقيموا) هي من صيغ افعل أو مثل (كل إنسان فان) فهذه قاعدة اعرف بموجبها ان زيد وبكر يفنون ويموتون أي زيد فان وبكر فان.
(12 ) لغة، العصم: الإمساك والمنع والملازمة، ومنها العصمة والاعتصام (لا عاصم اليوم من أمر الله)، (ما لهم من الله من عاصم)، (واعتصموا بحبل الله جميعاً) في اصطلاح المتكلمين: العصمة: هي ملكة نفسانية راسخة في النفس تمنع الإنسان عن المعصية مطلقاً أي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، وهي درجة قصوى مع التقوى تبلغ بصاحبها درجة العصمة الكاملة والامتناع
المطلق عن ارتكاب أي قبيح من الأعمال، ولا تحصل ملكة العصمة لصاحبها إلا بلطف من الله تعالى، والتفصيل في علم
الكلام.
(13 ) الذهن: هو قوة للنفس تشمل الحواس الظاهرة والباطنة تنطبع فيها صور الأشياء والانطباع فيها يسمى الوجود الذهني الذي هو العلم وبعبارة أوضح ان الحواس الظاهرة والباطنة هي الوسائل والمنافذ التي يحصل الذهن (القوة الذهنية) عن طريقها على الصور التي تنطبع في الذهن.
والحواس الظاهرة: هي الحواس الخمس وهي حاسة البصر والسمع والشم والذوق واللمس.
والحواس الباطنة: الحس المشترك وقوة الخيال والقوة الواهمة والقوة الحافظة والقوة المتخيلة أو المتصرفة.
(14) قال السيد الصدر(قدس سره): (وعلم الأصول يشابه علم المنطق من هذه الناحية غير انه يبحث عن نوع خاص من عملية التفكير أي عن عملية التفكير الفقهي في استنباط الأحكام ويدرس العناصر المشتركة التي يجب ان تدخل فيها لكي يكون الاستنباط سليماً فهو يعلمنا كيف نستنبط الحكم بحرمة الارتماس على الصائم وكيف نستنبط اعتصام ماء الكر وكيف نستنبط الحكم باستحباب صلاة العيد أو وجوبها، وذلك بوضع المناهج العامة وتحديد العناصر المشتركة لعملية الاستنباط. وعلى هذا الأساس يصح ان يطلق على علم الأصول اسم منطق علم الفقه لانه بالنسبة إليه بمثابة المنطق بالنسبة الى الفكر البشري بصورة عامة ).
(15 ) في مقابل العلوم الذاتية أو الأصلية التي تكون الغاية منها والمقصود بالذات معرفة نفس مسائل العلم كعلم الفقه وعلم التوحيد ونحو ذلك ويمكن القول ان كل العلوم آلية لان المفروض ان توصلنا إلى مرضاة الله وان نكون عباداً صالحين مطيعين هذا بعد توسيع معنى الآلية.
(16) ذكر الشيخ حازم في تعليقة على الحاشية ما يفيد في المقام انه بحسب (ما تسالم عليه أصحاب هذا الفن وغيره من العلوم) من ان لكل علم موضوعاً واحداً تدور حوله بحوثه ويمتاز به عن غيره من العلوم نحدد موضوع هذا الفن ونثبت ذاتية ما يعرض عليه من العوارض المبحوث عنها فيه فنقول:
ان العروض والاتصاف يكون على انحاء:
الأول: ان يكون منتزعاً عن مرحلة ذات الشيء فيتصف به باعتباره جزءاً منه ووصفاً داخلياً له.
الثاني: ان يكون منتزعاً عن أمر خارج عن ذات الشيء ولكنه من اقتضاءاته بحيث يكفي ثبوت ذات الموضوع وحده للاتصاف به بلا حاجة إلى أي جهة خارجية كالحرارة للنار والزوجية للأربعة.
الثالث: ان يكون عارضاً بواسطة أمر خارج عن ذات الشيء غير انه واسطة تعليلية تقتضي ثبوت العرض لنفس الشيء فيكون هو المعروض لا الواسطة كالمجاورة التي تكون واسطة لعروض الحرارة على الماء.
الرابع: ان يكون عارضاً بواسطة أمر خارجي يكون حيثية تقييدية في العروض ويشترط في هذا القسم ان يكون ذو الواسطة جزءاً تحليلياً من الواسطة ومثاله ما يعرض على الجنس بواسطة النوع.
الخامس: ان يكون عارضاً بواسطة تقييدية وتكون الواسطة جزءاً من ذي الواسطة من قبيل ما يعرض على النوع بواسطة الجنس وهذا يستلزم عدم كون ذي الواسطة معروضاً للوصف لا ضمناً ولا استقلالاً.
السادس: ان يكون عارضاً بواسطة تقييدية مباينة عن ذيها ذاتاً وبحسب عالم التحليل لا وجوداً من قبيل عوارض الجنس بواسطة الفصل مثل قولنا: بعض الحيوان مدرك للكليات.
السابع: ان يكون عارضاً بواسطة تقييدية مباينة مع ذي الواسطة ذاتاً و وجوداً من قبيل ما يعرض على الجسم وينسب اليه من البطء والسرعة مع كونه عارضاً للحركة المباينة للجسم في الوجود.والضابط الصحيح في تحديد ذاتية العرض وغرابته هو كون العرض إذا لوحظ مضافاً إلى موضوعه في عالم الوجود فان كان ما يحمل على الشيء حقيقة فيكون عارضاً عليه كذلك ايضاً كانت الأقسام الستة الأولى من العارض الذاتي والأخير من الغريب وان لوحظ مضافاً إلى موضوعه في عالم التحليل فان كان عارضاً حقيقياً على الشيء كان ذاتياً له وإلا فلا، فتكون الأقسام الثلاثة الأولى فقط من الذاتي وغيرها من الغريب.
وبملاحظة قول المصنف (وموضوعه المعلوم التصوري و التصديقي من حيث انه يوصل إلى مطلوب تصوري فيسمى معرفاً أو مطلوب تصديقي فيسمى حجة) نجد ان المعلوم التصوري و التصديقي موصل إلى المطلوب التصوري و التصديقي بواسطة أمر خارج عن ذات الشيء مباين للمعروض وهو التأليف بين المعلومات وليس مطلق التأليف بل التأليف الذي وضعه المعلم الأول أرسطو. فان علمنا بالحيوان لا يوصل إلى تصور الإنسان ما لم ينتقل بين أنواعه ونلاحظ المميز له عن غيره وهو الفصل ثم ألف بين الجنس والفصل فأوصلنا ذلك التأليف إلى المطلوب فكان حمل الإيصال على المعلوم في عالم التحليل حقيقياً. ولا يرد اشكال ان التأليف والإيصال لا يحمل على الشيء وانما المؤلف والموصل هو الذي يحمل على الشيء لاني اقصد من حمل الإيصال على نحو المعنى الحرفي لا الاسمي.
ويوجد طريق آخر لإثبات ذاتية العرض وهو ما إذا كان بين العرض وموضوعه المنشأية الحقيقية سواء أكانت بينهما نسبة المحلية أو لم تكن. فانه توجد بين الشيء وما يعرض عليه نسبتان مختلفتان:
أحداهما: نسبة المحلية: وهي كون الشيء محلًا و موضوعاً للعرض.
الثانية: نسبة المنشأية: وهي كون الموضوع سبباً لوجود العرض.
وهاتان النسبتان قد تتطابقان وقد تفترقان فان الحرارة تعرض على النار وهي محلًا ومنشأ لها والحرارة تعرض على الماء وهو محل لها والمجاورة مع النار تكون سبباً ومنشأ للحرارة.
وفيما نحن فيه بعد ان أثبتنا ان المعلوم التصوري و التصديقي موصل إلى المطلوب التصوري و التصديقي بواسطة التأليف وهو أمر خارج ومباين نقول ان المنشأية و الاستتباع لا يفرق فيها بين كون المنشأ متحداً في وجوده مع الناشئ أم مبايناً معه وعلى هذا الأساس يكون الأمر الخارج وهو التأليف مستتبع لنفس المعلوم التصوري و التصديقي، فيكون منشأ للإيصال ويكون الإيصال عرضاً ذاتياً للمعلوم. فكان هو المبحوث عنه في هذا الفن لان موضوع العلم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فكان الموصل إلى مطلوب تصوري معرفاً والموصل إلى مطلوب تصديقي حجة.
(17 ) أول من سماه بهذا الاسم هو الشيخ الرئيس ابن سينا وسماه ايضاً الفارابي وسماه بعضهم (علم العقل) وسماه أهل جزيرة الأندلس (المفعل).