الحاجة إلى المنطق( 1)
خلق الله الإنسان مفطوراً على النطق وجعل اللسان آلة ينطق بها ولكن مع ذلك يحتاج إلى ما يقوم نطقه ويصلحه ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها، من ناحية هيئات الألفاظ وموادها فيحتاج:
أولاً: إلى المدرب الذي يعوده على ممارستها.
ثانياً: إلى قانون( 2) يرجع إليه يعصم لسانه من الخطأ، وذلك هو النحو والصرف.
وكذلك خلق الله الإنسان مفطوراً( 3) على التفكير( 4) بما منحه من قوة عاقلة مفكرة لا كالعجماوات( 5) ولكن مع ذلك نجده كثير الخطأ في أفكاره( 6) فيحسب ما ليس بعلة علة، وما ليس بنتيجة لأفكاره بنتيجة، وما ليس ببرهان برهاناً، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة وهكذا.
فهو – إذن – بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح،ويدربه على تنظيم أفكاره وتعديلها.
وقد ذكروا ان (علم المنطق) هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ، وترشده إلى تصحيح أفكاره، فكما ان النحو والصرف لا يعلمان الإنسان النطق وإنما يعلمانه تصحيح النطق، فكذلك علم المنطق لا يعلم الإنسان التفكير، بل .
يرشده إلى تصحيح التفكير( 7 ) إذن فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا وما أعظمها من حاجة ولو قلتم: ان الناس يدرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم فلا نفع فيه(8 ) قلنا لكم: ان الناس يدرسون علمي النحو والصرف فيخطئون في نطقهم، وليس
ذلك إلا لان الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم، أو لا يراعي قواعده عند الحاجة، أو يخطأ في تطبيقها فيشذ عن الصواب.
--------------------------------------------
(1) المنطق:من نطق ينطق نطقاً والنطق يطلق على النطق الظاهري: وهو التكلم كما في علم اللغة، وعلى النطق
الباطني: وهو إدراك الكليات – كما في اصطلاح الفلاسفةوبالأخير
يفترق الإنسان عن باقي الحيوانات لانها تدرك
الجزئيات بينما الإنسان يدرك الكليات والجزئيات ولذا قالوا: (الإنسان حيوان ناطق). وانما سُمي علم المنطق بالمنطق
لانه نافع للنطق الظاهري والباطني معاً لانه يقوي قوة التكلم في الإنسان لان التكلم عبارة عن بيان ما هو مخزون
بالذهن وكذلك يعصمه بل يعطي امكانية العصمة أو الاستعداد للعصمة أو القدرة على العصمة عن الخطأ في الفهم
وإدراك الكليات فاشتق له اسم من النطق.
فالمنطق: اما مصدر ميمي بمعنى النطق، أطُلق على هذا العلم مبالغة، من قبيل (زيد عدل) واما اسم مكان كأن هذا
النطق ومظهره، يظهره بصورته المطلوبة القويمة لطالب هذا العلم فيكون نطقه صحيحاً. وكما عبر الفلاسفة عن
النفس الإنسانية بالنفس الناطقة أي المدركه للمعقولات وعرفه ايضاً باسماء علم (الميزان) ومعيار العلم وفن التفكير
ورئيس العلوم و(خآدم العلوم) و(العلم الألي) أي الذي يستخدم لحصول غاية ما.
(2) القانون لفظ يوناني أو سرياني وهو: لغة: مسطر الكتابة (المسطرة).
واصطلاحاً: القاعدة والضابطة الكلية العامة التي تعرف منها أحكام جزئياتها وأفرادها كقول النحويين (كل فاعل
مرفوع) الذي يعرف منه أحكام جزئيات الفاعل من (قام زيد) و(قعد بكر) وغير ذلك.
(3) الفطرة: تستعمل بمعنى الخلق، والدين. ومن الأول قوله تعالى (فاطر السماوات والأرض) أي خالقهما ومبدعهما
وقوله تعالى (فطرة الله التي فطر الناس عليها) أي الخلقة التي خلقهم عليها. ومن الثاني قول ابي عبد الله (عليه
السلام): (ان الله اعطى محمداً الحنيفة السهلة) وقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (وكلمة الإخلاص فانها
الفطرة) إلى غير ذلك مما هو كثير في السنة.
(4) التفكير: هو اجراء عمليات عقلية في المعلومات الحاضرة في الذهن لأجل الوصول إلى المجهول والمطلوب، ومن
الدعوة القرآنية إلى التفكير قوله تعالى: (هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون).
(5) العجماوات جمع عجماء أي بهيمة وهي الدابة المفلتة من صاحبها، ليس لها قائد ولا راكب يدلها على الطريق ما
تجرحه يذهب هدراً لا دية فيه ولا غرامة، وفي الحديث (جرح العجماء جبار) وسميت عجماء لانها لا تتكلم، وكل من لا
يقدر على الكلام فهو اعجم ومستعجم، ويستعمل الاعجم ايضاً في الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وان كان من العرب
وايضاً يقال صلاة النهار عجماء، وذلك لانه لا يجهر فيها بالقراءة.
(6 ) بالرغم من ان الله فطره على التفكير إلا انه يخطأ في تفكيره وفي ترتيب مادة القياس وهيئته.
(7) فمن هذا نعرف ان علم المنطق يدرس في الحقيقة عملية التفكير مهما كان مجالها وحقلها العلمي، ويحدد النظام
العام الذي يجب ان نتبعه لكي يكون التفكير سليماً فمثلًا يعلمنا كيف ننهج في الاستدلال بوصفه عملية تفكير لكي يكون
الاستدلال صحيحاً؟ كيف نستدل ان سقراط فانٍ؟ وكيف نستدل على ان مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين؟ وكيف
نستدل على ان الخط الممدود بدون نهاية مستحيل؟ وذلك بوضع المناهج العامة للاستدلال كالقياس والاستقراء فهو
إذن علم لعملية التفكير اطلاقاً وليس مقيد بنوع خاص من عملية التفكير.
(8) لان (ترتب العصمة على تعلم المنطق) ليس على نحو العلة والمعلول أو كالأثر والمؤثر فنرى انهم يخطئون في ترتيب مادة القياس وهيئته فمثلًا يقول (كل إنسان حيوان ) و(كل إنسان حجر) إذن (كل إنسان حجر) فهذه نتيجة خاطئة لانه اخطأ في المادة فان (كل حيوان حجر) كاذبة بينما هيئة القياس صحيحة، ومرة يقول بعض الإنسان حيوان،وبعض الحيوان فرس إذن بعض الإنسان فرس فهذه النتيجة خاطئة لانه اخطأ في الهيئة إذ لا ينتج القياس من قضيتين جزئيتين بينما المادة صحيحة.ومرة يقول (بعض الإنسان حيوان وبعض الحيوان حجر إذن بعض الإنسان حجر).فهنا اخطأ بالمادة والهيئة فكانت النتيجة خاطئة فالذين يدرسون المنطق ويخطئون فانهم يخطئون في تطبيقه وفي ترتيب مادته وهيئته.
خلق الله الإنسان مفطوراً على النطق وجعل اللسان آلة ينطق بها ولكن مع ذلك يحتاج إلى ما يقوم نطقه ويصلحه ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها، من ناحية هيئات الألفاظ وموادها فيحتاج:
أولاً: إلى المدرب الذي يعوده على ممارستها.
ثانياً: إلى قانون( 2) يرجع إليه يعصم لسانه من الخطأ، وذلك هو النحو والصرف.
وكذلك خلق الله الإنسان مفطوراً( 3) على التفكير( 4) بما منحه من قوة عاقلة مفكرة لا كالعجماوات( 5) ولكن مع ذلك نجده كثير الخطأ في أفكاره( 6) فيحسب ما ليس بعلة علة، وما ليس بنتيجة لأفكاره بنتيجة، وما ليس ببرهان برهاناً، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة وهكذا.
فهو – إذن – بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح،ويدربه على تنظيم أفكاره وتعديلها.
وقد ذكروا ان (علم المنطق) هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ، وترشده إلى تصحيح أفكاره، فكما ان النحو والصرف لا يعلمان الإنسان النطق وإنما يعلمانه تصحيح النطق، فكذلك علم المنطق لا يعلم الإنسان التفكير، بل .
يرشده إلى تصحيح التفكير( 7 ) إذن فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا وما أعظمها من حاجة ولو قلتم: ان الناس يدرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم فلا نفع فيه(8 ) قلنا لكم: ان الناس يدرسون علمي النحو والصرف فيخطئون في نطقهم، وليس
ذلك إلا لان الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم، أو لا يراعي قواعده عند الحاجة، أو يخطأ في تطبيقها فيشذ عن الصواب.
--------------------------------------------
(1) المنطق:من نطق ينطق نطقاً والنطق يطلق على النطق الظاهري: وهو التكلم كما في علم اللغة، وعلى النطق
الباطني: وهو إدراك الكليات – كما في اصطلاح الفلاسفةوبالأخير
يفترق الإنسان عن باقي الحيوانات لانها تدرك
الجزئيات بينما الإنسان يدرك الكليات والجزئيات ولذا قالوا: (الإنسان حيوان ناطق). وانما سُمي علم المنطق بالمنطق
لانه نافع للنطق الظاهري والباطني معاً لانه يقوي قوة التكلم في الإنسان لان التكلم عبارة عن بيان ما هو مخزون
بالذهن وكذلك يعصمه بل يعطي امكانية العصمة أو الاستعداد للعصمة أو القدرة على العصمة عن الخطأ في الفهم
وإدراك الكليات فاشتق له اسم من النطق.
فالمنطق: اما مصدر ميمي بمعنى النطق، أطُلق على هذا العلم مبالغة، من قبيل (زيد عدل) واما اسم مكان كأن هذا
النطق ومظهره، يظهره بصورته المطلوبة القويمة لطالب هذا العلم فيكون نطقه صحيحاً. وكما عبر الفلاسفة عن
النفس الإنسانية بالنفس الناطقة أي المدركه للمعقولات وعرفه ايضاً باسماء علم (الميزان) ومعيار العلم وفن التفكير
ورئيس العلوم و(خآدم العلوم) و(العلم الألي) أي الذي يستخدم لحصول غاية ما.
(2) القانون لفظ يوناني أو سرياني وهو: لغة: مسطر الكتابة (المسطرة).
واصطلاحاً: القاعدة والضابطة الكلية العامة التي تعرف منها أحكام جزئياتها وأفرادها كقول النحويين (كل فاعل
مرفوع) الذي يعرف منه أحكام جزئيات الفاعل من (قام زيد) و(قعد بكر) وغير ذلك.
(3) الفطرة: تستعمل بمعنى الخلق، والدين. ومن الأول قوله تعالى (فاطر السماوات والأرض) أي خالقهما ومبدعهما
وقوله تعالى (فطرة الله التي فطر الناس عليها) أي الخلقة التي خلقهم عليها. ومن الثاني قول ابي عبد الله (عليه
السلام): (ان الله اعطى محمداً الحنيفة السهلة) وقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (وكلمة الإخلاص فانها
الفطرة) إلى غير ذلك مما هو كثير في السنة.
(4) التفكير: هو اجراء عمليات عقلية في المعلومات الحاضرة في الذهن لأجل الوصول إلى المجهول والمطلوب، ومن
الدعوة القرآنية إلى التفكير قوله تعالى: (هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون).
(5) العجماوات جمع عجماء أي بهيمة وهي الدابة المفلتة من صاحبها، ليس لها قائد ولا راكب يدلها على الطريق ما
تجرحه يذهب هدراً لا دية فيه ولا غرامة، وفي الحديث (جرح العجماء جبار) وسميت عجماء لانها لا تتكلم، وكل من لا
يقدر على الكلام فهو اعجم ومستعجم، ويستعمل الاعجم ايضاً في الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وان كان من العرب
وايضاً يقال صلاة النهار عجماء، وذلك لانه لا يجهر فيها بالقراءة.
(6 ) بالرغم من ان الله فطره على التفكير إلا انه يخطأ في تفكيره وفي ترتيب مادة القياس وهيئته.
(7) فمن هذا نعرف ان علم المنطق يدرس في الحقيقة عملية التفكير مهما كان مجالها وحقلها العلمي، ويحدد النظام
العام الذي يجب ان نتبعه لكي يكون التفكير سليماً فمثلًا يعلمنا كيف ننهج في الاستدلال بوصفه عملية تفكير لكي يكون
الاستدلال صحيحاً؟ كيف نستدل ان سقراط فانٍ؟ وكيف نستدل على ان مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين؟ وكيف
نستدل على ان الخط الممدود بدون نهاية مستحيل؟ وذلك بوضع المناهج العامة للاستدلال كالقياس والاستقراء فهو
إذن علم لعملية التفكير اطلاقاً وليس مقيد بنوع خاص من عملية التفكير.
(8) لان (ترتب العصمة على تعلم المنطق) ليس على نحو العلة والمعلول أو كالأثر والمؤثر فنرى انهم يخطئون في ترتيب مادة القياس وهيئته فمثلًا يقول (كل إنسان حيوان ) و(كل إنسان حجر) إذن (كل إنسان حجر) فهذه نتيجة خاطئة لانه اخطأ في المادة فان (كل حيوان حجر) كاذبة بينما هيئة القياس صحيحة، ومرة يقول بعض الإنسان حيوان،وبعض الحيوان فرس إذن بعض الإنسان فرس فهذه النتيجة خاطئة لانه اخطأ في الهيئة إذ لا ينتج القياس من قضيتين جزئيتين بينما المادة صحيحة.ومرة يقول (بعض الإنسان حيوان وبعض الحيوان حجر إذن بعض الإنسان حجر).فهنا اخطأ بالمادة والهيئة فكانت النتيجة خاطئة فالذين يدرسون المنطق ويخطئون فانهم يخطئون في تطبيقه وفي ترتيب مادته وهيئته.