الجهل واقسامه

ليس الجهل( 43 ) إلا عدم العلم ممن له الاستعداد للعلم والتمكن منه فالجمادات والعجماوات لا نسميها جاهلة ولا عالمة مثل العمى فانه عدم البصر فيمن شانه ان يبصر فلا يسمى الحجر أعمى وسيأتي ان مثل هذا يسمى (عدم ملكة) ومقابله وهو العلم أو البصر يسمى (ملكة)، فيقال ان العلم والجهل متقابلان تقابل الملكة وعدمها.
والجهل على قسمين كما ان العلم على قسمين لانه يقابل العلم فيبادله في موارده فتارة يبادل التصور أي يكون في مورده وأخرى يبادل التصديق أي يكون في مورده فيصح بالمناسبة ان نسمي الأول (الجهل التصوري) والثاني (الجهل التصديقي)( 44 ) ثم انهم يقولون ان الجهل ينقسم إلى قسمين بسيط ومركب وفي الحقيقة ان الجهل التصديقي خاصة هو الذي ينقسم اليهما ولهذا اقتضى ان نقسم الجهل إلى تصوري وتصديقي ونسميهما بهذه التسمية اما الجهل التصوري فلا يكون إلا بسيطاً كما سيتضح ولنبين القسمين فنقول:
الجهل البسيط( 45 ): ان يجهل الإنسان شيئاً وهو ملتفت إلى جهله فيعلم انه لا يعلم، كجهلنا بوجود السكان في المريخ، فانا نجهل ذلك ونعلم بجهلنا فليس لنا إلا جهل واحد.
الجهل المركب( 46 ): ان يجهل الإنسان شيئاً وهو غير ملتفت الى انه جاهل به بل يعتقد انه من أهل العلم به، فلا يعلم انه لا يعلم، كاهل الاعتقادات الفاسدة الذين يحسبون انهم عالمون بالحقائق، وهم جاهلون بالواقع ويسمون هذا مركباً لانه يتركب من جهلين:
الجهل بالواقع والجهل بهذا الجهل. وهو أقبح وأهجن القسمين ويختص هذا في مورد التصديق لانه لا يكون إلا مع الاعتقاد.

ليس الجهل المركب من العلم
يزعم بعضهم دخول الجهل المركب في العلم فيجعله من أقسامه، نظراً إلى انه يتضمن الاعتقاد والجزم وان خالف الواقع. ولكنا إذا دققنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم عن الصواب وانه أي هذا الزعم من الجهل المركب، لان معنى (حضور صورة الشيء عند العقل) ان تحضر صورة نفس ذلك الشيء، اما إذا أحضرت صورة غيره بزعم انها صورته فلم تحضر صورة الشيء بل صورة شيء آخر زعماً انها هي.
وهذا هو حال الجهل المركب، فلا يدخل تحت تعريف العلم فمن يعتقد ان الأرض مسطحة لم تحضر عنده صورة النسبة الواقعية وهي ان الأرض كروية وانما حضرت صورة نسبة أخرى يتخيل انها الواقع وفي الحقيقة ان الجهل المركب  يتخيل صاحبه انه من العلم ولكنه ليس بعلم( 47).
 وكيف يصح ان يكون الشيء من أقسام مقابله والاعتقاد لا يغير الحقائق( 48).فالشبح من بعيد الذي يعتقد الناظر إنساناً وهو ليس بإنسان ولا يصيره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة(49).




---------------------------------------------
(42) لكن هنا يجب ان نعرف انه في الأصول يمكن ان يقال ان العلم والقطع هو التصديق اما الظن فهو ليس من أقسام العلم وليس تصديقاً أصولياً أي ليس حجة لذا لم يأخذ علمائنا بالقياس لانه يفيد الظن والظن لا يغني عن الحق شيئاً فلو أفاد تصديقاً لما نهى عنه في القرآن في سورة النجم الآية ( 23 ) (ان يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) والآية ( 28 ) النجم (وما لهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئاً) وفي سورة الحجرات الآية ( 112 ) (اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن أثم) فأفهم.
(43 ) تعريف الجهل هو عدم العلم لمن شأنه ان يعلم.
(44 ) فالجهل التصوري هو الجهل بالشيء في مورد التصور بحيث لو علم فانه يعلم بالتصور، والجهل التصديقي هو
الجهل بالشيء في مورد التصديق بحيث لو علم فانه يعلم بالتصديق.
(45 ) ويمكن تعريف الجهل البسيط: بانه يجهل الإنسان بقضية وبمسالة من المسائل ويجهل انها مطابقة للواقع أو لا
وهو ملتفت إلى انه جاهل بها.
(46 ) الجهل المركب: هو ان يجهل الإنسان مسالة ما وهو غير ملتفت الا انه جاهل بها بل يعتقد انه من أهل العلم وهو لا يعلم انه لا يعلم وهو أقبح وأهجن القسمين لكن هذا ليس دائماً حيث يمكن القول إذا كانت مقدماته فاسدة وفيه مغالطات فهذا قبيح اما إذا كانت مقدماته صحيحة وشرعية أو عقلية ويوجد قصور في الدليل أو في قدرة الشخص على أحاطته بجميع الأمور كما في فتاوى المجتهدين فهذا جهل مركب ويمكن القول انه من أقسام العلم وهو حسن وله اجر وهذا العلم يفيد في مقام القول من أفتى بغير علم ولكن هذا بمنزلة من أفتى عن علم فهو معذور.
(47) لان الجهل المركب ليس من أقسام العلم المطابق للواقع نعم حصة منه من أقسام العلم المعذر والمنجز.
(48 ) فالسراب من بعيد مثلًا الذي يعتقد به الرائي وهو ليس بماء فانه لا يصيره اعتقاده ماءاً.
(49 ) ربما يكون التوفيق بين آراء المناطقة وبين رأي المصنف بان العلم مشترك لفظي بين معانٍ متعددة ومن جملتها انه مطلق الاعتقاد الجازم، ومن جملتها انه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع فيكون الجهل المركب من أقسام العلم بالمعنى الأول ومن أقسام الجهل بالمعنى الثاني. فاغتنم.