اقسام الدلالة الوضعية

وهذه الدلالة الوضعية تنقسم إلى قسمين( 82)
 1-الدلالة اللفظية: إذا كان الدال الموضوع لفظاً( 83)
2- الدلالة غير اللفظية: إذا كان الدال الموضوع غير لفظ كالإشارات، والخطوط،والنقوش وما يتصل بها من رموز العلوم، واللوحات المنصوبة في الطرق لتقدير المسافات أو لتعيين اتجاه الطريق إلى محل أو بلدة..... ونحو ذلك.

الدلالة اللفظية( 84)
تعريفها:من البيان السابق نعرف ان السبب في دلالة اللفظ على المعنى هو العلقة الراسخة في الذهن بين اللفظ والمعنى، وتنشأ هذه العلقة كما عرفت من الملازمة الوضعية بينهما عند من يعلم بالملازمة( 85 ) وعليه، يمكننا تعريف الدلالة اللفظية بأنها: (هي
كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به).
أقسامها
المطابقية – التضمنية – الالتزامية
يدل اللفظ على المعنى من ثلاثة أوجه متباينة:
الوجه الأول:
المطابقة: بان يدل اللفظ على تمام معناه الموضوع له ويطابقه، كدلالة لفظ الكتاب على تمام معناه، فيدخل فيه جميع أوراقه وما فيه من نقوش وغلاف وكدلالة لفظ الإنسان على تمام معناه، وهو الحيوان الناطق. وتسمى الدلالة حينئذ (المطابقية) أو (التطابقية)، لتطابق اللفظ والمعنى. وهي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي لأجلها مباشرة وضعت لمعانيها.
الوجه الثاني:
التضمن: بان يدل اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل ذلك الجزء في ضمنه،كدلالة لفظ الكتاب على الورق وحده أو الغلاف، وكدلالة لفظ الإنسان على الحيوان وحده أو الناطق وحده..... فلو بعت الكتاب يفهم المشتري دخول الغلاف فيه، ولو أردت بعد ذلك ان تستثني الغلاف لاحتج عليك بدلالة لفظ الكتاب على دخول الغلاف،وتسمى هذه الدلالة (التضمنية) وهي فرع عن الدلالة المطابقية لان الدلالة على الجزء بعد الدلالة على الكل.
الوجه الثالث:
الالتزام( 86 ): بأن يدل اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له لازم له يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته، كدلالة لفظ الدواة على القلم. فلو طلب منك أحد أن تأتيه بدواة ولم ينص على القلم فجئته بالدواة وحدها لعاتبك على ذلك محتجاً بأن طلب الدواة كافٍ في الدلالة على طلب القلم وتسمى هذه الدلالة (الالتزامية).
وهي فرع ايضاً عن الدلالة المطابقية، لأن الدلالة على ما هو خارج المعنى بعد الدلالة على نفس المعنى.

شرط الدلالة الالتزامية
يشترط في هذه الدلالة ان يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازماً ذهنياً( 87 )، فلا يكفي التلازم في الخارج فقط دون رسوخه في الذهن وإلا لما حصل انتقال الذهن. ويشترط – أيضاً – أن يكون التلازم واضحاً بيّناً بمعنى ان
الذهن إذا تصور معنى اللفظ ينتقل الى لازمه( 88 ) بدون حاجة إلى توسط شيء آخر( 89)(91)(90).




---------------------------------------------------------
(82) إنما قسمنا الوضعية فقط إلى هذين القسمين، لان العقلية والطبعية وان كان الدال فيهما قد يكون لفظاً لا ثمرة في تقسيمهما إلى القسمين لعدم اختصاص كل قسم بشيء دون الآخر أو ليس كذلك الوضعية لانقسام اللفظية منها أي أقسامها الثلاثة الآتية دون غير اللفظية بل كل هذا التقسيم للدلالة إنما هو مقدمة لفهم الدلالة الوضعية اللفظية وأقسامها (من المظفر (قدس سره) ).
(83 ) قوله لفظاً خرج منه إذا كان الدال على الموضوع غير اللفظ كالرسوم وإشارات المرور والخرائط وغيرها إما الكتابة فهي تدخل ضمن الدلالة اللفظية وهي مدار البحث في المقام وذلك لان الكتابة هي الوسيلة الغالبة والسهلة والمثلى للتفاهم خاصة في التعليل من أفكار وأراء ونظريات سابقة فهذه الألفاظ السابقة نحضرها عن طريق الألفاظ حيث دونها أهل ذلك العصر وما بعده.
(84) يمكن تقسيم الدلالة اللفظية إلى:
1- الدلالة اللفظية التصورية. 2- الدلالة اللفظية التصديقية.
1- الدلالة اللفظية التصورية: وهي انتقال ذهن الإنسان إلى المعنى بمجرد صدوره من اللافظ حتى وان علم ان اللافظ لم يقصده كانتقال الذهن إلى المعنى من اللفظ الصادر من الساهي أو النائم أو الغالط وكانتقال الذهن إلى المعنى الحقيقي عند استعمال اللفظ في المعنى المجازي مع ان المعنى الحقيقي ليس مقصود المتكلم.
2- الدلالة اللفظية التصديقية: وهي دلالة اللفظ على المعنى مراد المتكلم في اللفظ وقاصد لاستعماله فيه وهي تتوقف على ما يأتي:
أ – كون المتكلم في مقام البيان والإفادة، وهذا في مقابل الإهمال والإجمال (مثلًا) يريد ان يعطي مثلًا في الدرس أو كان ينقل حادثة أو يريد ان يتعلم مخارج الحروف أو لافتة مرورية مطروحة في الطريق أو عند الخطاط.
ب - إحراز انه جاد غير هازل.
ج- إحراز انه قاصد لمعنى كلامه شاعر به وهذا في مقابل النائم (مثلًا).
د- عدم نصب قرينة على إرادة خلاف الموضوع له وإلا كانت الدلالة التصديقية على طبق القرينة المنصوبة.
وقال بعض الأصوليين ان الدلالة ليست بدلالة وان سميت كذلك فانه من باب التشبيه والتجويز لان الدلالة التصورية في الحقيقة هي من باب تداعي المعاني الذي يحصل بأدنى مناسبة.
ولذا قالوا في تفسير الدلالة هي ان يكشف الدال على وجود المدلول فيحصل من العلم به العلم بالمدلول سواء كان لفظاً أو غير لفظ. وهذا الكلام قابل للمناقشة وسيأتي الكلام في الأصول عنه واثبات ان الدلالة الوضعية اللفظية هي دلالة تصورية وليس تصديقية وكون الدلالة التصديقية لا تثبت إلا على القول بنظرية التعهد.
 (85 ) وقع خلاف بين الأصوليين حول مسألة توقف الدلالة على الإرادة وعدمه حيث ذهب السيد الصدر(قدس سره) إلى استحالة التوقف بناءاً على مسلك التعهد وذلك لان الدلالة الوضعية على هذا المسلك هي الدلالة التصديقية الحاصلة من تعهد المتكلم بان يقصد المعنى حيث يأتي باللفظ. وهذا التعهد الذي هو ملاك تلك الدلالة لا يعقل ان يكون مربوطاً بإرادة المعنى إذ لا محصل للتعهد بأنه عند الإتيان باللفظ يكون قاصداً للمعنى بشرط ان يكون قاصداً للمعنى فان قصد المعنى بنفسه متعلق للتعهد فلا يمكن أخذه شرطاً له فإذا استحال تقييد التعهد بذلك استحال تقييد الدلالة التصديقية المتحصلة من التعهد بذلك.
واما بناءاً على غير مسلك التعهد فقد يقال بتصوير تبعية الدلالة للإرادة والبرهنة عليه بتقريب: ان الغرض من إيجاد العلقة الوضعية إنما هو الانتقال من تصور اللفظ إلى تصور المعنى في موارد قصد التفهيم واما الانتقال في غير هذه الموارد فليس داخلًا في الغرض العقلائي ومعه لابد من افتراض تقييد العلقة الوضعية المجعولة بموارد قصد التفهيم لان إطلاقها لغير تلك الموارد مع اختصاص الغرض بها يكون لغواً فتكون الدلالة الناشئة من الوضع مقيدة ايضاً بقصد التفهيم وتابعة له فحيث لا يقصد التفهيم لا وضع وبالتالي لا دلالة.
وستأتي مناقشة هذا التصوير في البحوث الأصولية إن شاء الله تعالى.
(86) وهي دلالة اللفظ على معنى غير معناه الموضوع له ويوجد بين المعنى الموضوع وبين المعنى الخارج ملازمة واستتباع وهذه الدلالة الالتزامية فرع الدلالة المطابقية إلا انه لازم عقلًا أو عرفاً كدلالة العمى على البصر والزوجية القابلة للقسمة على اثنين على العدد فيستحيل عقلًا ان يتصور (العمى) دون ان يتصور البصر وتصور الزوجية من دون تصور العدد وتسمى هذه باللوازم العقلية عند المناطقة.
(87 ) معنى ذلك ان يكون السامع عالماً بالملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى الخارج اللازم له.
(88) سيأتي في مباحث الكلي ان التلازم ينقسم إلى البين وغير البين والبين إلى بين بالمعنى الأخص وبين بالمعنى الأعم. والشرط في الدلالة الالتزامية في الحقيقة هو ان يكون اللازم بيناً بالمعنى الأخص ومعناه ما ذكرناه في المتن،هذا من الشيخ المظفر (قدس سره).
89 ) ويمكن القول ان للدلالة الالتزامية شرطين:
1- ان يكون التلازم واضحاً بيناً.
2- ان يكون التلازم بين معنى اللفظ. والمعنى الخارج تلازماً ذهنياً فلا يكفي التلازم في الخارج لكي تتم عملية الانتقال الذهنية.
 (90 ) من تطبيقات بحث الدلالة وأقسامها في علم الأصول بحث المقدار الذي يثبت بالأدلة المحرزة.
حيث ان الدليل المحرز له مدلول مطابقي ومدلول التزامي. فكلما كان الدليل المحرز حجة ثبت بذلك مدلوله المطابقي وأما مدلوله الالتزامي ففيه بحث وحاصله ان الدليل المحرز إذا كان قطعياً فلا شك في ثبوت مدلولاته الالتزامية به لأنها تكون قطعية ايضاً فتثبت بالقطع كما يثبت المدلول المطابقي بذلك وإذا كان الدليل ظني وقد ثبتت حجيته بجعل الشارع كما في الإمارة من قبيل خبر الثقة وظهور الكلام ففيه حالتان:
الأولى: ان يكون الدليل صريحاً في شموله للمدلولات الالتزامية كما هو صريح في شموله للمدلولات المطابقية، وهذا لا إشكال في حجيته فيثبت المدلول الالتزامي.
الثانية: ان لا يكون الدليل كذلك، ففي هذه الحالة وقع الخلاف بين مشهور الأصوليين وبين السيد الخوئي (قدس سره)،حيث ذهب المشهور إلى ان مثبتات الإمارة حجة أي ان الإمارة كما يعتبر إثباتها لمدلولها المطابقي حجة كذلك إثباتها لمدلولها الالتزامي، وذهب السيد الخوئي(قدس سره) إلى عدم ذلك، وبيان دليل كلا الطرفين ومختار السيد الصدر(قدس سره) يأتي في بحوث مقبلة إن شاء الله تعالى.
(91 ) ومن تطبيقات بحث الدلالة وأقسامها في علم الأصول البحث عن تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في السقوط وعدم ذلك وذلك لأن المدلول الالتزامي تارة يكون مساوياً للمدلول المطابقي وأخرى يكون أعم منه ففي حالة المساواة إذا علم ببطلان المدلول المطابقي فقد علم ببطلان المدلول الالتزامي ايضاً فتسقط الإمارة بكلا مدلوليها عن الحجية واما في حالة كون المدلول الالتزامي أعم وبطل المدلول المطابقي فالمدلول الالتزامي يظل محتملًا. ومن هنا يأتي البحث التالي:وهو ان حجية الإمارة في إثبات المدلول الالتزامي هل ترتبط بحجيتها في إثبات المدلول المطابقي أو لا؟ فتفصيله يأتي لاحقاً إن شاء الله تعالى.