علم الاصول منطق الفقه

ولا بد من معلوماتكم عن علم المنطق تسمح لنا ان نستخدمه كمثال لعم الاصول فان علم المنطق - كما تعلمون - يدرس في الحقيقة عملية التفكير مهما كان مجالها وحقلها العلمي , ويحدد النظام العام الذي يجب ان تتبعه لكي يكون التفكير سليماً , مثلا يعلمنا علم المنطق كيف يجب ان ننهج في الاستدلال بوصفه عملية تفكير لكي يكون الاستدلال صحيحاً , كيف نستدل على ان سقراط فان , وكيف نستدل على ان نار الموقد الموضوع امامي محرقة , وكيف نستدل على ان الخط الممتد بدون نهاية مستحيل , كل هذه يجيب عليه علم المنطق بوضع المناهج العامة للاستدلال كالقياس والاستقراء فهو اذن علم لعملية التفكير اطلاقاً .
علم الاصول يشابه علم المنطق من هذه الناحية غير انه يبحث عن نوع خاص من علمية التفكير , اي عن عملية التفكير الفقهي في استنباط الاحكام ويدرس العناصر المشتركة ( مواد القضايا واولياتها التي نحتاجها في مقدمات القياس ) التي يجب ان تدخل فيها لكي يكون الاستنباط سليماً فهو ( اضافة الى كيفية ومنهج التفكير فهنا يعطينا منهج القياس وهيئة القياس او تسامحاً نقول هيئة الاستقراء وصيغة الاستقراء ومنهج الاستقراء على اعتبار ان الاستقراء يطرح كطريق للاستدلال ) يعلمنا كيف نستنبط الحكم بحرمة الارتماس على الصائم , وكيف نستنبط اعتصام ماء الكر , وكيف نستنبط الحكم باستحباب صلاة العيد او وجوبها وذلك :
1- بوضع المناهج العامة .
2- تحديد العناصر المشتركة لعملية الاستنباط .
وعلى هذا الاساس يصح ان يطلق على علم الاصول اسم منطق علم الفقه .

وقد يرد اشكال وهو ان يقال ما هو المبرر لهذا التشابه والتنزيل من كون الاصول منطق الفقه ؟ ومع بعض النقاش في هذه العبارة لا بأس ان نسجل ما يكون مناسبا لدفع هذا الاشكال :
وللاجابة : نقول باننا نعلم سابقا ان ( عملية القياس وشكل القياس وهيئة القياس ) لا تخلو من رجوعها الى علم المنطق وهي جزء ومحور واساس وعصب في كل العلوم وفي كل تفكير سليم وصحيح سواء كان في علم المنطق او في علم الاصول او في غيرهما , فالحديث عن الهيئة وشكل القياس ترجع الى المنطق , والحديث عن المواد فكب مادة تؤخذ من اصلها ومن علمها ومن مكانها فمادة علم الرجال ومادة علم العربية ومادة علم الفلك ...وهكذا 
وعلى هذا الطرح الذي طرح والدور الذي ذكر وهذه العبارة التي ذكرت ( الاصول منطق الفقه) فانه يرجع الى علم الفقه اما علم الاصول موضوعه ( الادلة الاربعة ) فياتي بكل دليل يثبت دليليته وما يتعلق به وما يرجع اليه .
ومن الموارد التي يبحث عنها في علم الاصول هي :

اولاً: يبحث عن حجية خبر الواحد او حجية الظواهر هل تقع صغرى او كبرى في القياس الذي يستعمله الفقيه في عملية الاستنباط الفقهي , فيحدد هذه صغرى وهذه كبرى , وهذا العمل مشابه لعمل المنطق او يرجع الى المنطق , او لنقل بهذه النظرة او بهذا اللحاظ لا يؤسس ذلك التنزيل وذلك التشابه الذي طرح بين الاصول والمنطق باعتبار له الدوران المذكوران , من تهذيب عملية التفكير ومن تصحيحها ومن توجيهها , فتحديد صغرى وكبرى ربما لا يرتقي الى ان يحقق ذلك الامر المذكور بذلك التنزيل والتشابه بين المنطق والاصول .

ثانياً: ويبحث في علم الاصول عن ترجيح احد الخبرين المتعارضين , وسنتحدث عن الخبر الذي يكون له الترجيح هل سيقع صغرى في القياس او يكون كبرى في القياس ويبقى نفس الاشكال .

ثالثاً : ويمكن ان يقال بأن البحث يكون عن العوارض الذاتية للادلة المشتركة , وايضا يرجع البحث الى الادلة المشتركة او الى تحديد موضع تلك الادلة , وعندما يرجع الامر الى القياس( صغرى وكبرى) او هيئة قياس او شكل القياس , ايضا يرجع الى المنطق وليس الى الاصول .

رابعاً: ويجري البحث في علم الاصول عن مواد القضايا المستعملة في الاستنباط الفقهي وايضا هذا الطرح يعني ان عملية الاستنباط ترجع الى المنطق اصلاً , ومواد القضايا كما يمكن ان نحتاجها او ان يكون موردها من الاصول كذلك ممكن ان يكون موردها من الفقه وممكن ان يكون من اللغة وممكن ان يكون من الرجال ...وهكذا .

خامساً: ويجري البحث في القواعد التي ربما يقال فيها الصلاحية او ممكن ان تكون من القواعد المشتركة فيثبت حجية هذه وعدم حجية تلك , فيحدد المواد التي ستستعمل كبرى في القياس او صغرى في القياس في بعض الموارد .
وللمنطق على هذا الطرح تقاطع وفاصل بين الاصول والفقه , بل نحتاج المنطق كسلم للعبور او التسلق في التطبيق الاصولي في الفقه او في الاستدلال الفقهي , وربما ايضا يكون على هذا الطرح فيه مؤونة من ان نجعل التشابه وذلك التنزيل بين المنطق والاصول فنحتاج الى توجيه .

توجيه : لاعطاء المبرر وتقريب وتحقق المصداقية للتنزيل والتشابه الذي طرحه المصنف ( السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه) في هذا الموضوع نقول انه بخصوص انه بخصوص التقديم في تعارض الادلة وفي خصوص تقديم الادلة المحرزة على الاصول العملية او تقديم الاهم على المهم في حالات التزاحم ونحوها من امور يمكن القول ان الاصول هو منطق الفقه .

بتقريب : وذلك لانه بدون الاصول وبدون المعالجات التي تحدثنا عنها وهي ( التقديم بالتعارض , او تقديم الدليل المحرز على الاصل العملي او تقديم الاهم على المهم ) فأن الفقيه سيواجه كما هائلاً من الادلة وركاماً متناثراً ومتعارضاً من النصوص والادلة دون ان يستطيع استخدامها ويقف عاجزاً امامها ولا يستطيع ان يتوصل الى نتيجة صحيحة يتيقن بها ويحرز حجيتها ويبرء ذمته امام الله سبحانه وتعالى .