مبادىء الحكم التكليفي

الملاك والارادة 
ونحن اذا حللنا عملية الحكم التكليفي كالوجوب - كما يمارسها اي مولى ( المشرع او من يختص بكتابة الدساتير او القوانين ) في حياتنا الاعتيادية - نجد انها تنقسم الى مرحلتين :

احدهما : مرحلة الثبوت للحكم 
والاخرى : مرحلة الاثبات والابراز 

مرحلة الثبوت : وفيها ثلاث عناصر هي :
أ- الملاك : فالمولى في مرحلة الثبوت يدرك يحدد ما يشتمل عليه الفعل من مصلحة - ( والكلام في الوجوب فيشرح على هذا الاساس ) وهي ما يسمى بالملاك .

ب- الارادة : حتى اذا ادرك وجود مصلحة بدرجة معينة فيه تولدت ارادة لذلك الفعل بدرجة تتناسب مع المصلحة المدركة ( فاذا كانت المصلحة شديدة فالارادة تكون شديدة هذا هو الوجوب , واذا كانت المصلحة ضعيفة فالارادة ضعيفة وهو الاستحباب ,, وفي حالة الحرمة مفسدة شديدة ومبغوضية شديدة وفي حالة الكراهة مفسدة ضعيفة ومبغوضية ضعيفة )

ت- الاعتبار: وبعد ذلك يصوغ المولى ارادته صياغة جعلية من نوع الاعتبار فيعتبر الفعل على ذمة المكلف ( هذا في ذهن المولى في داخل تصوراته قبل ان يصدر وقبل ان يصوغ او يعتبره اعتباراً لفظيا ويكتب هذا في عالم الاثبات والابراز حتى يبرز ما عنده ففي تصورات الملوى كيف يحقق هذا الفعل ؟ كيف يحقق هذه المصلحة ؟ كل هذه في ذهن المولى فيعتبر الفعل في ذمة المكلف في داخله في عالم التشريع وفي مرحلة الثبوت بعد ذلك لكي يصل الى المكلف ؟ يصدر خطابا يقول له - اي للمكلف - اعتبر هذا الفعل على ذمتك ) فهناك اذن مرحلة الثبوت (( ملاك وارادة واعتبار )) وليس الاعتبار عنصرا ضروريا في مرحلة الثبوت بل يستخدم (( غالبا)) (وليس دائما لان المولى يمكن ان يستغني عنه ويبرز الارادة مباشرة لذلك فان الاعتبار يستخدم غالبا ) كعمل تنظيمي وصياغي اعتاده المشرعون والعقلاء وقد سار الشارع على طريقتهم في ذلك .
وبعد اكتمال مرحلة الثبوت بعناصرها الثلاثة - او بعنصريها  الاولين ( الملاك والارادة ) على اقل تقدير - تبدا : 

مرحلة الاثبات :
وهي المرحلة التي يبرز فيها المولى - بجملة انشائية او خبرية - ( يبرز) مرحلة الثبوت ( سواء كان يبرز الاعتبار الذي يدل على الملاك والارادة او يبرز الارادة مباشرة والتي يقيناً تكشف عن الملاك ) بدافع من الملاك والارادة ( لان الملاك ولد الارادة وهذه الارادة دفعت الى الصياغة والصياغة دفعت الى الابراز ويقينا حتى لو استغنينا عن الاعتبار او الصياغة يبقى الابراز هو بسبب روح الحكم ومبادئه بسبب الملاك والارادة ) وهذا الابراز قد يتعلق بالارادة مباشرة كما اذا قال (( اريد منكم كذا )) ( اريد منكم الذهاب الى الحج ) وقد يتعلق بالاعتبار الكاشف عن الارادة كما اذا قال : ( ...لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا...) عمران 97 ( هذا الابراز تعلق بالاعتبار وهذا الاعتبار كاشف عن الارادة ).
واذا تم هذا الابراز من المولى ( وتمت عملية الاثبات وصار الحكم فعلياً ) اصبح من حقه ( المولى ) على العبد قضاء لحق مولويته الاتيان بالفعل ( اذا الكلام في حالة الوجوب وفي الحرمة يكون الانزجار ) وانتزع العقل عن ابراز المولى لارادته الصادر منه بقصد التوصل الى مراده ( طبعا هذا الابراز كاشف عن الاعتبار والاعتبار كاشف عن الارادة والارادة كاشفة عن المصلحة وهذا الابراز الكاشف عن جعل الفعل في ذمة المكلف او الكاشفة عن ارادة المولى بالمباشر كما اعبرنا ( اريد منكم كذا ) هذه العملية المتكونة والمتألفة من ابراز في عالم الاثبات وجعل واعتبار كاشف عن ارادة في عالم الثبوت او فقط ارادة ولا يوجد اعتبار كاشف عن الملاك في عالم الثبوت من هذا التأليف او من هذه الصورة المؤلفة من صور في عالم الاثبات وصور في عالم الثبوت ينتزع العقل عناوين مثل البعث ومثل التحريك .. وهكذا ) عناوين متعددة من قبيل البعث والتحريك ( يبعث ويحرك) ونحوهما .
وكثيراً ما يطلق على الملاك والارادة - و هما العنصران اللازمان ( والضروريان) في مرحلة الثبوت - اسم (( مبادىء الحكم )) وذلك بافتراض ان الحكم نفسه العنصر الثالث من مرحلة الثبوت - اي الاعتبار - والملاك والارادة مبادىء له ( وبعد ذلك ايضا يقول ) وان كان روح الحكم وحقيقته ( باعتبار ان الملاك والارادة مبادئه , والاعتبار هو الحكم لكن نقول بحقيقة الامر ان روح الحكم وحقيقته هو الارادة والملاك وليس هذا الجعل والاعتبار لذلك نحن نستطيع ان نبرز مباشرة الارادة الكاشفة عن الملاك بابراز وبخطاب وهذا دليل على ان الصياغة - الاعتبار - العنصر الثالث ليس له مدخلية في وجود الحكم وفي حقيقته ولو كان له مدخلية في حقيقة الحكم لانتفى الحكم عند انتفاء الاعتبار ) - التي بها يقع موضوعاً لحكم العقل بوجوب الامتثال - هي نفس الملاك والارادة اذا تصدى المولى لابرازهما بقصد التوصل الى مراده سواء أنشا اعتباراً او لا ( لم ينشىء اعتبارا لان الاعتبار بدون ملاك وارادة لا يمتثل ) .