العنوان والمعنون أو دلالة المفهوم على مصداقه

العنوان والمعنون  أو دلالة المفهوم على مصداقه( 178)
إذا حكمت على شيء بحكم قد يكون نظرك في الحكم مقصوراً على المفهوم على المفهوم وحده، بأن يكون هو المقصود في الحكم كما تقول: (الإنسان ؛ حيوان ناطق) فيقال للإنسان حينئذ بالحمل الأولي. وقد يتعدى نظرك في الحكم إلى أبعد من ذلك، فتنظر إلى ما وراء المفهوم، بأن تلاحظ المفهوم لتجعله حاكياً لمصداقه ودليلاً عليه، كما تقول (الإنسان ضاحك) أو (الإنسان في خسر)، فنشير بمفهوم الإنسان إلى أشخاص أفراده، وهي المقصودة في الحكم، وليس ملاحظة المفهوم في الحكم وجعله موضوعاً إلا للتوصل إلى الحكم على الأفراد فيسمى المفهوم حينئذ (عنواناً) والمصداق (معنوناً) ويقال لهذا الإنسان، الإنسان بالحمل الشايع.
ولأجل التفرقة بين النظرين نلاحظ الأمثلة الآتية:
1-  إذا قال النحاة (( الفعل لا يخبر عنه )) فقد يعترض عليهم في بادىء الرأي، فيقال لهم: هذا القول منكم إخبار عن الفعل فكيف تقولون لا يخبر عنه؟ والجواب:أن الذي وقع في القضية مخبراً عنه، وموضوعاً في القضية هو مفهوم الفعل( 179)
ولكن ليس الحكم له بما هو مفهوم، بل جعل عنواناً وحاكياً عن مصاديقه وآلة لملاحظتها، والحكم في القضية راجع للمصاديق نحو ((ضرب ويضرب )). فالفعل الذي له هذا الحكم حقيقة هو الفعل في الحمل الشايع.
2- وإذا قال المنطقي (( الجزئي يمتنع صدقه على كثيرين )) فقد يعترض فيقال له: الجزئي يصدق على كثيرين لأن هذا الكتاب جزئي ومحمد جزئي وعلي جزئي، فكيف قلتم يمتنع صدقه على كثيرين؟
والجواب:
مفهوم الجزئي أي الجزئي بالحمل الأولي كلي لا جزئي، فيصدق على كثيرين،ولكن مصداقه أي حقيقة الجزئي يمتنع صدقه على الكثير فهذا الحكم بالامتناع للجزئي بالحمل الشايع، لا الجزئي بالحمل الأولي، الذي هو كلي.
3- وإذا قال الأصولي: ((اللفظ المجمل ما كان غير ظاهر المعنى )) فقد يعترض في بادىء الرأي فيقال له: (( إذا كان مجمل غير ظاهر المعنى فكيف جاز تعريفه، والتعريف لا يكون إلا لما كان ظاهر معناه )).
والجواب:
مفهوم المجمل أي المجمل بالحمل الأولي مبين ظاهر المعنى، لكن مصداقه أي المجمل بالحمل الشايع، كاللفظ المشترك المجرد عن القرينة، غير ظاهر المعنى. . وهذا التعريف للمجمل بالحمل الشايع(180)

----------------------------------------------------
(178) قد يحكم على شيء بحكم وقد يكون منصباً على المفهوم وحده مثلًا تقول (الإنسان حيوان ناطق) فيقال حينئذ الإنسان بالحمل الأولي، فالإنسان هو الموضوع والحيوان الناطق هو المحمول فمفهوم الإنسان حينئذ يسمى (عنواناً )، أي أن الإنسان بما هو هو لا بالنظر إلى مصاديقه (( أي أفراده )) ولا بأس أن نعطي تقريباً في المقام مع الاحتفاظ بالنقاش، فالحمل الأولي فيه شبه واشتراك مع النظر في المرآة عند شرائها فأننا ننظر للمرآة ونرى وجهنا في المرآة لكن ليس المقصود في هذه النظرة ملاحظة الوجه أو الشعر من أجل تصفيفه أو تنظيفه بل الغرض هو معرفة نقاء وصفاء وجه المرآة وهل فيها تموج أو صدأ أو سواد أو شوائب وغيرها.
وقد يكون قصدك في الحكم إلى ما وراء المفهوم تقول (الإنسان ضاحك) أو (الإنسان في خسر) فإنك تنظر بمفهوم الإنسان إلى مصاديقه وهي المقصودة في الحكم وليس القصد المفهوم وجعله موضوعاً إلا للتوصل إلى مصاديقه.
فيسمى المفهوم – كما مر (عنواناً ) والمصداق (معنوناً ) ويقال لهذا الإنسان، الإنسان بالحمل الشايع كما سيأتي الكلام عنه. ولا بأس في هذه المرحلة الدراسية تقريب المقام بمثال مع الاحتفاظ بالنقاش كالحمل الشايع كالنظر في المرآة لكن النظر الغرض منه هو معرفة تصفيف الشعر أو نظافة الوجه وغيرها مع غض النظر عن نقاء وجه المرآة وصفائه وتموجه وصدئه أي المراد هو الصورة التي في المرآة وليس المرآة وكذا في الحمل الشايع فأن المراد المصاديق التي ما وراء المفهوم لا المفهوم.
ولا بأس بالإشارة هنا إلى معنى ( فناء العنوان في المعنون أو فناء المفهوم في مصداقه )، وهو كون الشيء له لحاظان، ونقصد ان المفاهيم والوجودات الذهنية لها لحاظان:
اللحاظ الأول (بالحمل الأولي):نلاحظ مفهوم الحيوان بالحمل الأولي، حيوان، لأنه عنوانه وصورته
اللحاظ الثاني (بالحمل الشايع):مفهوم الحيوان بالحمل الشايع، صورة في الذهن.
فإذا قيل أن ذلك العنوان أو المفهوم لوحظ فانياً في معنونه ومصداقه فيقصدان الحكم عليه ليس بما هو هو وبالحمل الشايع بل أن الأحكام والمحمولات تحمل عليه بما هو بالحمل الأولي.
(179) فمفهوم الفعل لا يدل على الحدث وإنما هو إسم ويصح الإخبار عن الإسم (( أي الفعل بما هو فعل بغض النظر عن مصاديقه أما تعريف الفعل بالنظر إلى مصاديقه وأفراده هو كل شيء دل على حدث (( في زمن ما )) ومفهوم الفعل لا يدل على الحدث وإنما هو اسم جار في بداية الكلام لذلك صح الإخبار عنه )).
(180) إذا كان النظر إلى الأفراد و المصاديق فهو بالحمل الشائع وهو الذي يحكم عليه بأنه غير ظاهر المعنى أما إذا كان النظر إلى المفهوم فهو بالحمل الأولي وهو ظاهر المعنى ولذلك حكمنا عليه وعرفناه.