تنويع البحث في علم الاصول
حينما يستنبط الفقيه الحكم الشرعي ويستدل عليه :
اولا : تارة يحصل على دليل يكشف عن ثبوت الحكم الشرعي فيعول على كشفه (وهو
الدليل المحرز )
ثانيا: واخرى يحصل على دليل يحدد الموقف العملي والوظيفة العملية تجاه
الواقعة المجهول حكمها وهذا ما يكون في الاصول العملية التي هي ادلة على الوظيفة
العملية وليست ادلة على الواقع وعلى هذا الاساس سوف نصنف بحوث علم الاصول الى
نوعين :
احدهما : البحث في الادلة من القسم الاول ( الادلة المحرزة ) اي العناصر
المشتركة في عملية الاستنباط التي تتخذ ادلة باعتبار كشفها عن الحكم الشرعي
ونسميها بالادلة المحرزة .
والاخرى : البحث في الاصول العملية وهي الادلة من القسم الثاني اي العناصر
المشتركة في عملية الاستنباط التي تتخذ ادلة على تحديد الوظيفة العملية تجاه الحكم
الشرعي المجهول ونسميها بالادلة العملية او الاصول العملية .
وكل ما يستند اليه الفقيه في استدلاله الفقهي واستنباطه للحكم الشرعي لا
يخرج عن احد هذين القسمين من الادلة .
الاصل العملي هو المرجع العام للفقيه :
( كل واقعة لا تخلو من حكم هنا نقول كل واقعة كل حدث اما تشمله اصلة
البراءة او اصالة الاحتياط العقلي كل شيء
لا يخلو اما ان يكون المكلف مطلق العنان تجاه هذا الشيء واما ان يحتاط المكلف
بخصوص اما تترك او تفعل والاحتياط اي الالزام بنحو الوجوب او الحرمة ) ويمكن القول
على العموم : بان كل واقعة يعالج الفقيه حكمها يوجد فيها اساساً دليل من القسم
الثاني اي اصل عملي يحدد الوظيفة العملية فان توفر للفقيه الحصول على دليل مرحز
اخذ به وترك الاصل العملي ( ليس دائما الاصل العملي هو المرجع الا اذا لم يتوفر
الدليل المحرز يكون الاصل العملي هو المرجع ) وفقا لقاعدة تقدم الادلة المحرزة على
الاصول العملية – كما سياتي ان شاء الله تعالى – وان لم يتوفر دليل محرز اخذ
بالاصل العملي فهو المرجع العام للفقيه حيث لا يوجد دليل محرز .
حجية القطع :
ويوجد عنصر مشترك يدخل في جميع عمليات استنباط الحكم الشرعي سواء ما استند فيه الفقيه الى دليل من القسم
الاول ( الذي هو الدليل المحرز ) او الى دليل من القسم الثاني ( وهو الاصل العملي
) وهذا العنصر هو حجية القطع ونريد بالقطع :
( انكشاف قضية بدرجة لا يشوبها شك ) ومعنى حجيته كونه ( اي القطع ) ((منجزاً))
اي مصححا للعقاب اذا خالف العبد مولاه في تكليف مقطوع به لديه ( اذا قطع العبد
بتكليف يجب عليه ان يمتثل واذا خالف يكون القطع منجزا ويكون من حق المولى ان يعاقب
) وكونه معذراً اي نافيا لا ستحقاق العقاب عن العبد اذا خالف مولاه نتيجة عمله
بقطعه .
وواضح ان حجية القطع بهذا المعنى ( بمعنى المنجزية والمعذرية ) لا يستغني
عنها جميع عمليات الاستنباط لانها انما تؤدي الى القطع بالحكم الشرعي او بالموقف
العملي تجاهه ( الحكم الشرعي) ولكي تكون هذه النتيجة ذات اثر ( اي القطع بالحكم
الشرعي او القطع بالموقف العملي ) لابد من الاعتراف مسبقا بحجية القطع ,بل ان حجية
القطع مما يحتاجها الاصولي ( وليس فقط الفقيه ) في الاستدلال على القواعد الاصولية
نفسها لانه مهما استدل على ظهور صيغة افعل في الوجوب مثلا فلن يحصل على احسن تقدير
الا على (( القطع )) بظهورها في ذلك وهذا لا يفيد الا مع افتراض حجية القطع كما
انه بعد افتراض تحديد الادلة العامة والعناصر المشتركة في عملية الاستنباط قد يواجه
الفقيه حالات التعارض بينها سواء كان التعارض بين دليل من القسم الاول ودليل من
القسم الثاني ( اي بين دليل محرز واصل عملي ) كالتعارض بين الامارة والاصل او بين
دليلين من قسم واحد سواء كانا من نوع واحد كخبرين لثقتين او من نوعين كالتعارض بين
خبر الثقة وظهور الاية او بين اصالة الحل والاستصحاب ( هذا بين اصلين عمليين )
ومن اجل ذلك سنبدا فيما يلي ( في
البحوث اللاحقة ) بحجية القطع ثم نتكلم عن القسم الاول من الادلة ثم عن القسم
الثاني ونختم باحكام تعارض الادلة ان شاء الله تعالى ومنه نستمد التوفيق .