الترادف والتباين

الترادف والتباين
إذا قسمنا لفظاً إلى لفظ أو إلى ألفاظ، فلا تخرج تلك الألفاظ المتعددة عن احد قسمين:
1-اما ان تكون موضوعة لمعنى واحد، فهي (المترادفة)، إذا كان احد الألفاظ رديفاً للأخر على معنى واحد مثل: أسد، سبع وليث. هر، وقطة، إنسان وبشر. فالترادف أشتراك الألفاظ المتعددة في معنى واحد( 116)
 2- واما ان يكون كل واحد منها موضوعاً لمعنى مختص به، فهي (المتباينة)( 117) مثل: كتاب، قلم، سماء، أرض، حيوان، جماد، سيف، صارم.
فالتباين (ان تكون معاني الألفاظ متكثرة بتكثر الألفاظ) والمراد من التباين هنا غير التباين الذي سيأتي في النسب، فان التباين هنا بين الألفاظ باعتبار تعدد معناها، وان كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو جميعها، فان السيف بيان الصارم، لأن المراد من الصارم خصوص القاطع من السيوف، فهما متباينان معنى وان كانا يلتقيان في الأفراد إذ ان كل صارم سيف( 118 ) وكذا الإنسان والناطق متباينان معنى،لان المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر وان كانا يلتقيان في جميع أفرادهما، لأن كل ناطق إنسان، وكل إنسان ناطق.

قسمة الألفاظ المتباينة
المثلان، المتخالفان، المتقابلان
تقدم ان الألفاظ المتباينة هي ما تكثرت معانيها بتكثرها، أي ان معانيها متغايرة.ولما كان التغاير بين المعاني يقع على أقسام، فان الألفاظ بحسب معانيها ايضاً تنسب لها تلك الأقسام. والتغاير على ثلاثة أنواع: التماثل، والتخالف، والتقابل.
لان المتغايرين اما ان يراعي فيهما اشتراكهما في حقيقة واحدة، فهما (المثلان)،واما إلا يراعي ذلك، سواء كانا مشتركين بالفعل في حقيقة واحدة أو لم يكونا.وعلى هذا التقدير الثاني أي تقدير عدم المراعاة، فان كانا من المعاني التي لا يمكن اجتماعهما في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد بان كان بينهما تنافروتعاند فهما (المتقابلان)، وإلا فهما (المتخالفان) وهذا يحتاج إلى شيء من
التوضيح فنقول:
1-المثلان:هما المشتركان في حقيقة( 119 ) واحدة بما هما مشتركان أي لوحظ واعتبر اشتراكهما فيها كمحمد وجعفر أسمين لشخصين مشتركين في الإنسانية بما هما مشتركان  فيها( 120) وكالإنسان والفرس بأعتبار اشتراكهما في الحيوانية وإلا فمحمد وجعفر من حيث خصوصية ذاتيهما مع قطع النظر عما أشتركا فيه هما متخالفان كما سيأتي، وكذا الإنسان والفرس هما متخالفان بما هما إنسان وفرس.
والاشتراك والتماثل ان كان في حقيقة نوعية بان يكون فردين من نوع واحد،كمحمد وجعفر يخص باسم (المثلين) أو (المتماثلين)، ولا اسم آخر لهما، وان كان في الجنس، كالإنسان والفرس، سميا أيضاً (متجانسين)، وان كان في الكم أي في المقدار سميا أيضاً (متساويين) وان كان في الكيف أي في كيفيتهما وهيئتهما سميا (متشابهين). والاسم العام للجميع هو (التماثل). والمثلان أبداً لا يجتمعان ببديهة العقل( 121)
2- المتخالفان:وهما المتغايران من حيث هما متغايران، ولا مانع من اجتماعهما في محل واحد إذا كانا من الصفات، مثل الإنسان والفرس بما هما إنسان وفرس، لا بما هما مشتركان في الحيوانية كما تقدم. وكذلك: الماء والهواء، النار والتراب، الشمس والقمر، السماء والأرض. ومثل: السواد والحلاوة، الطول والرقة، والشجاعة والكرم، البياض والحرارة( 122)
والتخالف قد يكون في الشخص مثل محمد وجعفر وان كانا مشتركين نوعاً في الإنسانية، ولكن لم يلحظ هذا الاشتراك. وقد يكون في النوع مثل الإنسان والفرس وان كانا مشتركين في الجنس وهو الحيوان ولكن لم يلحظ الاشتراك. وقد يكون في الجنس، وان كانا مشتركين في وصفهما العارض عليهما، مثل القطن والثلج المشتركين في وصف الأبيض إلا انه لم يلحظ ذلك. ومنه يظهر ان مثل محمد وجعفر يصدق عليهما أنهما متخالفان بالنظر إلى اختلافهما في شخصيتهما ويصدق عليهما مثلان، بالنظر إلى اشتراكهما وتماثلهما  في النوع وهو الإنسان( 123) وكذا يقال عن الإنسان والفرس هما متخالفان من جهة تغايرهما في الإنسانية والفرسية ومثلان باعتبار اشتراكهما في الحيوانية، وهكذا في مثل القطن والثلج، الحيوان والنبات، الشجر والحجر ويظهر ايضاً ان التخالف لا يختص بالشيئين اللذين يمكن ان يجتمعا فان الأمثلة المذكورة قريباً لا يمكن فيها الاجتماع مع أنها ليست من المتقابلات كما سيأتي ولا من المتماثلات حسب الاصطلاح. ثم ان التخالف قد يطلق على ما يقابل التماثل فيشمل التقابل ايضاً فيقال للمتقابلين على  هذا الاصطلاح أنهما متخالفان( 124).
3- المتقابلان: هما المعنيان المتنافران اللذان لا يجتمعان في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد، كالإنسان واللاإنسان، والأعمى والبصير، والأبوة والبنوة، والسواد والبياض فبقيد وحدة المحل دخل في مثل التقابل بين السواد والبياض مما يمكن
اجتماعهما في الوجود كبياض القرطاس وسواد الحبر. وبقيد وحدة الجهة دخل مثل التقابل بين الأبوة والبنوة مما يمكن أجتماعهما في محل واحد من جهتين إذ قد يكون شخص أباً لشخص وابناً لشخص آخر. وبقيد وحدة الزمن دخل مثل التقابل بين الحرارة والبرودة مما يمكن اجتماعهما في محل واحد في زمانيين، إذ قد يكون  جسم بارد في زمان ونفسه حار في زمان آخر(125) .

-----------------------------------
(116) أو هي الألفاظ التي تعددت في معنى واحد مثل كتاب وسفر أو أسد وليث وضرغام.
(117 ) معنى التباين هو التباعد والتفارق والانفصال والألفاظ المتباينة: هي الألفاظ التي وضع كل منها لمعنى يخصه مثل
أرض، سماء.
(118) لأن الصارم يخص القاطع من السيف بينما السيف يشمل السيف القاطع وغيره ولكن ممكن القول ان الصارم يطلق على السيف وغير السيف فيشمل القاطع من السيوف ومن غيرها والسيف يشمل القاطع وغير القاطع إذن ممكن ان نقول بينهما عموم وخصوص وجهي وعلى هذا الكلام فلا يصح ان نقول كل صارم سيف فالشيخ(قدس سره) قيد الصارم بالسيف ولكن الصارم حقيقة يشمل القاطع من السيف وغيره.
(119 ) والحقيقة هي الماهية فحقيقة شيء ماهيته وكنهه والماهية يمكن ان تأتي جواباً عن سؤال (ما هو).
(120 ) أي بغض النظر عن جهة الافتراق بين خصوصياتهما.
(121 ) فالإنسان والفرس فهما مثلان لا يمكن ان يجتمعا عقلًا فلا تكون ماهية إنسان وهي نفسها ماهية فرس لأن لكل منهما خصوصيات وهذا الكلام إذا كان المثلان من الذوات اما إذا كانا من الصفات فبالإمكان اجتماعها مثل (الحلو والحار).
(122 ) هذه الأمثلة بالنسبة للصفات التي يمكن اجتماعها في محل واحد أما الصفات التي لا يمكن اجتماعهما فلا تدخل تحت عنوان المتخالفين.
(123 ) إذا لاحظت ان احدهما طويل والآخر قصير كانا متخالفين فالمقياس والمعيار بكونهما متخالفين أو متماثلين بالنظر واللحاظ.
(124 ) ممكن القول ان كل متماثلين متخالفان ولا عكس لأنه يوجد متخالفان مثل السواد والطول وهما ليسا متماثلين هذا بناءاً على عدم وجود جنس عالي للمقولات أي انه في المثال العرض ليس جنس عالي لمقولة الكيف ومقولة الكم اما لو قلنا بوجود جنس عالي بينهما سواء كان العرض أو غيره فيكونا متماثلين بلحاظ هذا الجنس فنستخدم القاعدة المذكورة بينما كل متماثلين ما داما متماثلين فهما اثنين و الاثنينية تدل على وجود اختلاف ولو بالاجمال والتفصيل أو بالاعتبار. من حيث عدد الأحرف أو صرف الكلمة أو غيرها فهما متخالفان بلحاظ هذا الاختلاف.
(125 ) أولاً: لو قلنا اللذان لا يجتمعان في زمان واحد من جهة واحدة دون ذكر مكان واحد فان السواد والبياض لا يدخلان
في التقابل لأنهما يجتمعان في زمان واحد من جهة واحدة وهو بياض الورق وسواد الكتابة عليه لكن المكان مختلف أي هما ليسا في مكان واحد وكذا لو قلنا لا يجتمعان في زمان واحد ومحل واحد دون ذكر جهة واحدة فان الأبوة والبنوة لا يدخلان في التقابل لأنهما يجتمعان في زيد الذي هو أب لعمرو وابن لبكر في نفس الوقت أي ان الجهة ليست واحدة وكذا لو قلنا ويجتمعان في مكان واحد ومن جهة واحدة دون ذكر زمان واحد لخرج مثل الحرارة والبرودة اللذان يعرضان على الماء فان هذا الماء حار الآن ونقول هذا الماء بارد بالأمس وهذا يعني انه لا توجد وحدة للزمان بل يوجد زمانان مختلفان ولذا احتجنا إلى ذكر القيود الثلاثة (الجهة والمكان والزمان) كي لا تخرج حصص من حصص التقابل.
ثانياً: الظاهر ان النقطة الرئيسية التي تميز هذا القسم (التقابل) عن القسمين السابقين (التماثل والتخالف) هي التنافر والتقابل لأننا لو غضضنا النظر عن التنافر والتقابل لامكن القول بإدخال هذا القسم ضمن أي واحد من القسمين السابقين أو على الأقل أي القدر المتيقن ادخل في القسم الثاني وهو التخالف. مثلًا نقول: الإنسان واللاإنسان فهما متغايران أكيداً من حيث هما متغايران وكذا السواد والبياض فتكون القسمة إلى التماثل والتخالف فقط وعليه إذا أردنا إبراز قسم التقابل فعلينا ان نلاحظ مناط القسمة ولذا اشترط في التقابل وحدة
(الجهة والمكان والزمان) وكذا اشتراط التنافر والتقابل لأنه لو لم يشترط هذا لدخل في مصاديق مثل (السواد والزراق) لأن السواد والزراق لا يجتمعان في مكان واحد وزمان واحد ومن جهة واحدة فالذي اخرجهما من مصاديق التقابل أي سبب عدم جعلهما من مصاديق التقابل هو عدم وجود التقابل والتنافر بينهما بخلاف السواد والبياض.
ثالثاً: ان قلت: ممكن القول ان مثل الإنسان واللاإنسان يشتركان من حيث ان كل واحدة طرف لنسبة التناقض أي أنهما متخالفان وكذا العمى والبصر باعتبار اشتراكهما في ان كل واحد منهما طرف لنسبة العدم والملكة التي تعرض على الحيوان وكذا البنوة والأبوة فهما يشتركان في كون كل واحد منهما طرفاً لنسبة التضايف أو كل صفة لزيد مثلًا وكذا السواد والبياض فهما يشتركان من حيث كل واحد منهما لون أو كون كل واحد منهما يعقب الآخر على شيء واحد. قلت: انه يشترط في المتخالفين والمتماثلين ان يكون بينهما اشتراك في حقيقة واحدة وهنا الإنسان واللاإنسان لا يشتركان في حقيقة واحدة وكذا البصر والعمى (بناء على ان العمى هو عدم البصر) لكن هذا الجواب لا يتم في مثل السواد والبياض فانهما يشتركان في حقيقة واحدة وهي الكيف المحسوس (اللون) أي يبقى الإشكال والنقض لو غيرنا المثال وجعلناه بين السواد والبياض فانهما يشتركان بحقيقة واحدة وهي العرض والكيف المحسوس فوجود جهة الاختلاف بينهما وملاحظتها يمكن القول أنهما متخالفان (أو متقابلان) وبملاحظة أنهما يشتركان في جهة واحدة وهي
كون كل منهما كيف محسوس فهما متماثلان ولهذا نقول انه لدفع هذا التداخل نلتجئ للجواب الثاني.
2-ان الشرط الرئيسي لدفع الإشكال ولتمييز أنهما متقابلان (وليسا متماثلين ومتخالفين) هو التنافر والتقابل ولذا اعتبرنا بين السواد والبياض التقابل بينما بين السواد والزراق التخالف وعلى هذا أقول ان الأولى في تقسيم الألفاظ المتباينة: ان يقال ان المتباينين (المتغايرين):
1-أما ان يكون بينهما التنافر والتعاند والتقابل فهما المتقابلان مع ملاحظة عدم اجتماعهما في محل واحد من جهة واحدة في مكان واحد.
2-أو لا يكون بينهما تنافر وتعاند وتقابل فهذا له المعنيان:
أ-  أما  ان يراعي فيهما جهة الاشتراك فهما المثلان.
ب-  أو لا يراعي فيهما جهة الاشتراك فهما المتخالفان.