مبحث الأمر

والكلام في البحث (الامر والنهي ) وهو من احد تطبيقات البحوث اللغوية الاكتشافية التحديدية .
والامر تارة : يستعمل بمادته فيقال :  (( آمرك بالصلاة )).  
آمرك : فيها مادة وصيغة 
واخرى : بصيغته فيقال :  (( صل  )).

مادة الامر :
اما مادة الامر فلا شك في دلالتها ((بالوضع)) على الطلب ( حتى نفرق بين مادة الامر عندما تاتي الكلمة بالمادة تدل على الامر , او هي مادة امر والصيغة هي ايضا صيغة امر ),هو الطلب دون سائر الدواعي الاخرى وذلك :
1- لانه ان قيل بأن المدلول التصوري هو ( النسبة الطلبية ) فواضح ان الطلب مصداق حقيقي للمدلول التصوري دون سائر الدواعي (دون التعجيز والتمني والترجي ) فيكون اقرب الى المدلول التصوري 
( مع النقاش هنا , لان الطلب كمفهوم اسمي هو ليس مصداقا للمدلول التصوري , لان المدلول التصوري معنى حرفي , مع الاحتفاظ هناك ننظر اما معنى اسمي فيكون احد طرفي النسبة وهو اقرب من باقي الاطراف وتلك ليست من اطراف النسبة يكون هو المفهوم الاسمي الموازي لتلك النسبة او هو منتزع من تلك النسبة فهو يبقى اقرب واظهر من باقي المعاني ويكون اقرب للمدلول التصوري )

((وظاهر كل كلام ان مدلوله التصديقي اقرب ما يكون للتطابق والمصداقية للمدلول التصوري )).

2- واما اذا قيل بان المدلول التصوري هو النسبة الارسالية , فلان المصادق الحقيقي لهذه النسبة (النسبة الارسالية ) انما ينشأ من الطلب (لانه لو تمني او ترجي او تعجيز فلا يطلب ,لا يرسل ,لا يحقق النسبة الارسالية كما يرسل الصائد ذلك الكلب , عندما يريد ان يصيد الفريسة , ففي التعجيز اصلا لا يتحقق الصيد ولا يتحقق الامر , لانه انت تريد ان تثبت عجز هذا الانسان , والتمني والترجي ليس فيه الزام )
ولكن لا بنحو تكون مرادفة للفظ الطلب لان الطلب ينطبق بمفهومه على الطلب التكويني كطلب العطشان للماء ( من ذاته هو يذهب عندما يعطش ويحس او يتصور الفائدة في هذا ويبقى على قيد الحياة )وايضا ينطبق على الطلب التشريعي ( يوجد آمر ومأمور يريد منه ان يفعل ) سواء صدر من العالي ( من المولى الحقيقي) او من غيره ( ممن غصب حق المولى هذا بالنسبة على مفهوم الطلب )
بينما الامر لا يصدق الا على الطلب التشريعي من العالي سواء كان متسعلياً اي متظاهراً بعلوه او لا ( كان قد غصب حقه اذن يوجد عموم وخصوص مطلق وهذا اعم فيكف تكون مترادفة اذن لا يوجد ترادف هنا نفي الترادف ).

كما ان مادة الامر لا ينحصر معناها لغة بالطلب بل ذكرت لها معان اخرى كالشيء والحادثة والغرض وعلى هذا الاساس ( لفظ مادة الامر ) تكون مشتركاً لفظياً وتعيين الطلب بحاجة الى قرينة ومتى دلت القرينة ( سواء بالظهور او بقرينة اخرى ) على ذلك ( اي على الطلب , نحن نحتاج الى قرينة فهذا مشترك لفظي يحتاج الى قرينة فما هي القرينة التي تدل على اقرب المعاني ؟ هل هو الظهور او التبادر ... اللغة وقرائن اخرى مقامية او مقالية ) يقع الكلام في ان المادة ( مادة الامر) تدل على الطلب بنحو الوجوب او بنحو الاستحباب او الوجوب والاستحباب ؟
فقد يستدل على انها تدل على الوجوب بوجوه منها :

اولا : قوله تعالى  { فليحذر الذين يخالفون عن امره ...} النور 63
وتقريبه ان الامر لو كان يشمل الطلب الاستحبابي لما وقع  على اطلاقه موضوعاً للحذر من العقاب لكان قد فصل وقال نقصد الامر الوجوبي وانما ليس مطلق الحذر لان الامر الاستحبابي ليس فيه حذر وكذلك لو كان مختص بالطلب الاستحبابي ايضا ليس فيه حذر اصلاً )

ثانيا:ومنها قوله : صلى الله عليه واله ((لولا ان اشق على امتي لامرتهم بالسواك ))
وتقريبه ان الامر لو كان يشمل الاستحباب لما كان الامر مستلزماً للمشقة ( على اطلاقه لان يشمل الوجوب والاستحباب لما كان الامر مستلزم للمشقة على اطلاقه وانما يفصل , ولكن لان الحالة خاصة بالسواك فنقول اما وجوب او استحباب لو كان يقصد فيه الاستحباب لما تحدث عن المشقة لانه يمكن ترك هذا الامر ) كما هو ظاهر الحديث.

ثالثاً: ومنها : التبادر فان المفهوم عرفاً من كلام المولى حين يستعمل كلمة الامر انه في مقام الايجاب والالزام والتبادر علامة الحقيقة ( اي اذا كان تبادر المعنى من اللفظ دل على ان هذا المعنى هو المعنى الحقيقي , ونقصد بالمعنى الحقيقي هو المعنى الموضوع له اللفظ ).

صيغة الامر :
وماا صيغة الامر فقد ذكرت لها عدة معان كالطلب والتمني والترجي والتهديد والتعجيز وغير ذلك وهذا في الواقع خلط بين المدلول التصوري للصيغة ( وهو النسبة الارسالية او النسبة الطلبية وهو معنى حرفي) والمدلول التصديقي الجدي ( وهذا بناء على انه اريد منه المعنى الاسمي ففيه نقاش واذا اريد به المعنى الحرفي ايضا فيه نقاش ) لها ( اي الصيغة ) باعتبارها جملة تامة ( من فعل وفاعل ) وتوضيحه ان الصيغة - اي الهيئة ( عندما نذكر الهيئة نريد ان نلفت بأن الهيئة دال كاللفظ دال لها مدلول لها معنى وكما ان الحرف له معنى حرفي يدل على نسبة فالهيئة ايضا من المعاني حرفية تدل على نسبة ) فعل الامر - لها ( اي للصيغة ) مدلول تصوري ولا بد ان تكون من سنخ المعنى الحرفي كما هو الشأن في سائر الهيئات والحروف ,
فلا يصح ان يكون مدلولها نفس الطلب بما هو ((مفهوم اسمي)) ولا ((مفهوم الارسال)) (ايضا بما هو مفهوم اسمي) نحو المادة بل نسبة طلبية او ارسالية توازي مفهوم الطلب او مفهوم الارسال كما توازي النسبة التي تدل عليها ((الى )) مفهوم ((الانتهاء))
والعلاقة بين مدلول الصيغة (اي النسبة ) بوصفه معنى حرفياً ( اي النسبة الارسالية والنسبة الطلبية ) ومفهوم الارسال او الطلب تشابه العلاقة بين مدلول ((من))و((الى ))و ((في)) ومدلول ((الابتداء)) و(الانتهاء))و((الظرفية))فهي علاقة موازة لا ترادف
ونقصد بالنسبة الطلبية او الارسالية الربط المخصوص الذي يحصل بالطلب او بالارسال بين المطلوب والمطلوب منه او بين المرسل والمرسل اليه وهذا هو المدلول التصوري للصيغة الثابت بالوضع ( وهذا يخالف ما يقوله السيد الخوئي الذي يقول لا يوجد مدلولات تصورية وانما مباشرة مدلول تصديقي )
المدلول التصديقي الجدي :
وللصيغة باعتبارها جملة تامة مكونة من فعل وفاعل ,مدلول تصديقي جدي بحكم السياق لا الوضع , اذ تكشف سياقاً عن امر ثابت (الدلالة التصديقية ليست بين الصور بين صورة لفظ وصورة معنى وانما بين الاشياء الخارجية بين اللفظ الكلام الصادر في الخارج وبين قصد المتكلم ما يريده المتكلم وما هو ثابت في نفس المتكلم , وهذا ايضا شيء خارجي مقابل الاشياء الذهنية ) في نفس المتكلم هو الذي دعاه الى استعمال الصيغة وفي هذه المرحلة تتعدد الدواعي التي يمكن ان تدل عليها الصيغة بهذه الدلالة فتارة يكون الداعي هو الطلب واخرى الترجي وثالثة التعجيز وهكذا مع انحفاظ المدلول التصوري للصيغة في الجميع .
هذا كله على مسلك المختار المشهور القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية .
واما بناء على مسلك التعهد القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصديقية وان المدلول الجدي للجملة التامة هو المعنى الموضوع له ابتداء فلا بد (كما هو مبنى السيد الخوئي ) من الالتزام بتعدد المعنى ( اي على نحو الاشتراك اللفظي ) في تلك الموارد لاختلاف المدلول الجدي .
ثم ان الظاهر من الصيغة ان المدلول التصديقي الجدي ( ونحن نتحدث نقول هذه النسبة والنسبة مصداق للطلب او النسبة الارسالية لا تنشا او الاقرب نشوء هذه النسبة من باعث وداعي  الطلب وليس من داعي التعجيز فهذا البرهان لا ينطبق على مباني السيد الخوئي لانه ليس عنده نسبة ارسالية وطلبية حتى يبرر ويستظهر معنى منها ) لا من سائر الدواعي فيتعين داعي الطلب ( اي المراد الجدي) بظهور الكلام .
بتوضيح اكثر :
هنا نقول : معنى صيغة الامر يدل على النسبة باعتبارها تدل على مدلول تصوري والتصوري هو معنى حرفي يدل على النسبة فهل يوجد مبنى من المباني الاصولية التي تقول بالوضع تكون ملزمة وملزمة بالقول بتعدد معاني صيغة الامر ؟
عندنا ثلاث نظريات تقول بالوضع :
1- نظرية الاعتبار
2- نرظية التعهد
3- نرظية القرن الاكيد
وذكرنا ان الدلالة الوضعية دلالة تصورية اللفظ يدل على مدلول تصوري على معنى تصوري .
نظرية التعهد : تشير الى ان مدلول اللفظ هو مدلول تصديقي جدي والدلالة الناشئة من الوضع هي دلالة تصديقية او ان الهيئة موضوعة مباشرة للمعنى التصديقي الجدي .
بالنسبة للمبنى المختار: نحن عندما قلنا انها موضوعة للمدلول التصوري والمدلول التصوري هو نسبة وذلك الكلام في الدلالة التصديقية الجدية ,اذن صيغة الامر تدل على معنى وهو معنى حرفي نسبي وذلك الكلام في الدلالة التصديقية اذن لا يوجد تعدد معان على نحو الاشتراك اللفظي ,
اما على مبنى نظرية التعهد هل نستطيع ان نقول لا يوجد تعدد بالمعاني لان الصيغة بادلالة التصورية تشير الى المعنى الفلاني وبالدلالة التصديقية تتعدد المعاني ؟
والجواب: لا نستطيع لان هذه النظرية تقول ان اللفظ موضوع مباشرة للمدلول التصديقي الهيئة موضوعة للمدلول التصديقي وهذا يعني ان هذه المرحلة الوسيطة التي دفعنا فيها تعدد المعاني اي ( المدلول التصوري) ملغاة بناء على نرظية التعهد لان الوضع موضوع مباشرة للمدلول التصديقي ,
وهذا يعني ان صيغة الامر بناء على نظرية التعهد فعلا موضوعة لمعان متعددة (الطلب, الترجي, التهديد, التعجيز) اذن يكون من المشتركات اللفظية
ولكن كما بينا سابقا ان صيغة الامر تدل على نسبة على ربط على معنى حرفي .
كمثال : الصياد يمسك بكلب الصيد ويريد ان يطلقه لاصطياد فريسته فيرسل الكلب لاصطياد تلك الفريسة ,فالصياد يريد الحصول على تلك الفريسة ولكن اراد تحقيق هذا الامساك وهذا الاصطياد من خلال الكلب فيرسله لتحقيق الغرض .
كذلك المولى في مثال (صل) يرسل المكلف للاتيان بهذا الفعل لتحقيق الملاك لجلب المصلحة يرسل المكلف لتحقيقها .
اذن نسبة ارسالية او نسبة طلبية .
النسبة الطلبية :
تربط بين
1- المطلوب منه (المكلف)
2- المطلوب (الصلاة) او الفعل .
النسبة الارسالية :
ربط مخصوص بين المرسل ومرسل اليه .
1- مرسل(مولى)
2- مرسَل(المكلف)
3-مرسل اليه : الفعل وهو الصلاة في المثال .
فصيغة الامر تدل على النسبة اي على صورة النسبة على مفهوم النسبة في المدلول التصوري
ونقصد المفهوم الحرفي النسبة بالمعنى الحرفي وليس مفهوم النسبة الاسمي .
وللجملة التامة (صل) اضافة للمدلول التصوري مدلول تصديقي جدي وهو المدلول التصديقي الجدي - يختلف بحسب الغرض كما قلنا فهو :
1- تارة يقصد جدا ان يحكي عن النسبة .
2- واخرى يريد ان يستفهم عن تحقق النسبة يريد ان يعرف هل هذه النسبة متحققة او غير متحققة .
3- واخرى يطلب من المكلف ان يحقق النسبة يبعث ويحرك المكلف لتحقيق النسبة .
اذن يختلف المراد الجدي باختلاف الغرض باختلاف الباعث وباختلاف الداعي في نفس المتكلم .
والمتحصل لصيغة الامر :
1- مدلول تصوري وهو النسبة اما النسبة طلبية او نسبة ارسالية .
2- مدلول تصديقي جدي وهذا مرة يكون طلب واخرى تمني وثالثة ترجي ورابعة تهديد ...وهكذا  .
وظاهر حال المتكلم ما دام اصدر صيغة الامر فهو يريد:
أ- ان نتصور فالدلالة الوضعية تحقق التصور .
ب- ان نستكشف بأنه يريد ان نفهم هذا الكلام او صيغة الامر التي صدرت منه .
ت-وبعد ذلك نقول يريد جدا ويقصد جدا ان يحكي عن الحكاية او ان يحقق التعجيز او التمني او ان يكون كلامه في هذا العالم او في ذلك العالم
اذن الدواعي في نفس المتكلم في المدلول التصديقي الجدي تتعدد فتارة يكون الطلب واخرى تعجيز وثالثة تمني ..وهكذا .
فاذا كان المدلول التصديقي لصيغة الامر متعدداً فهل نحتاج الى ان نعين ؟
والجواب :نعم وتعيين احد هذه المعاني يحتاج الى قرينة وضمن هذه المرحلة نقول ان الظاهر من صيغة الامر التي هي ارسالية او نسبة طلبية ان المولى بالمدلول التصديقي يريد (الطلب)
او ان الباعث والداعي لهذه النسبة او لصدور الصيغة الدالة على النسبة منه هو :(الطلب)
وهو الذي تنشأ منه اصدار ما يدل على تحقيق النسبة الارسالية او ما يدل على النسبة الارسالية من اجل تحقيقها اما التمني والترجي فلا ينشا منه صيغة امر تدل على النسبة الارسالية
واقرب او اظهر مفهوم ينتزع من النسبة الارسالية هو الطلب .