تقسيمات الألفاظ

المختص – المشترك – المنقول  المرتجل – الحقيقة والمجاز( 99)

إن اللفظ الواحد الدال على معناه بإحدى الدلالات الثلاث المتقدمة إذا نسب إلى معناه فهو على أقسام خمسة، لان معناه اما ان يكون واحداً ايضاً، ويسمى (المختص) واما ان يكون متعدداً وما له معنى متعدد أربعة أنواع: مشترك ومنقول ومرتجل وحقيقة ومجاز، فهذه خمسة أقسام.

1-المختص:هو اللفظ الذي ليس له إلا معنى واحد فأختص به مثل حديد  وحيوان( 100).

2-المشترك:وهو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كلاً على حده ولكن دون ان يسبق وضعه لبعضها على وضعه للآخر
(101 ) مثل (عين) الموضوع لحاسة النظر وينبوع الماء والذهب وغيرها ومثل (الجون) الموضوع . للأسود والأبيض. والمشترك كثيراً في اللغة العربية( 102)(103).

3-المنقول:هو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كالمشترك ولكن يفترق عنه بان الوضع لأحدها مسبوق بالوضع للآخر مع ملاحظة المناسبة بين المعنيين في الوضع اللاحق. مثل لفظ (الصلاة) الموضوع أولاً للدعاء، ثم نقل في الشرع الإسلامي لهذه الأفعال المخصوصة من قيام و ركوع و سجود و نحوها، لمناسبتها إلى المعنى الأول و مثل لفظ (الحج) الموضوع أولاً للقصد مطلقاً، ثم نقل لقصد مكة المكرمة بالأفعال المخصوصة و الوقت المعين... و هكذا أكثر المنقولات في عرف الشرع و أرباب العلوم و الفنون و
منها السيارة و الطائرة و الهاتف و المذياع و نحوها من مصطلحات هذا العصر. و المنقول ينسب إلى ناقله، فأن كان العرف العام قيل له منقول عرفي كلفظ السيارة والطائرة، وان كان العرف الخاص، كعرف أهل الشرع والمناطقة والنحاة والفلاسفة ونحوهم قيل له منقول شرعي أو منطقي أو  نحوي أو فلسفي... وهكذا( 104)(105).

4-المرتجل: وهو كالمنقول بلا فرق، إلا انه لم تلحظ فيه المناسبة بين المعنيين  ومنه أكثر الاعلام الشخصية( 106).

5-الحقيقة( 107 ) والمجاز( 108 ): هو اللفظ الذي تعدد معناه، ولكنه موضوع لأحد المعاني فقط وأستعمل في غيره لعلاقة مناسبة بينه وبين المعنى الأول الموضوع له من دون ان يبلغ حد الوضع في المعنى الثاني فيسمى (حقيقة) في المعنى الأول، و(مجازاً) في الثاني ويقال للمعنى الأول معنى حقيقي،وللثاني مجازي.والمجاز دائماً يحتاج إلى قرينة تصرف اللفظ عن المعنى الحقيقي وتعيين المعنى .( المجاز من بين المعاني المجازية)

تنبيهان:
1-ان المشترك اللفظي والمجاز لا يصح إستعمالهما في الحدود والبراهين، إلا مع نصب القرينة على إرادة المعنى المقصود. ومثلهما المنقول والمرتجل ما لم(107)يهجر المعنى الأول، فإذا هجر كان ذلك وحده قرينة على إرادة الثاني. على انه يحسن اجتناب المجاز في الأساليب العلمية حتى مع القرينة.

2-المنقول ينقسم إلى تعييني وتعيّني لان النقل تارة يكون من ناقل معين باختياره وقصده، كأكثر المنقولات في العلوم والفنون، وهو المنقول التعييني( 110 ).أي ان الوضع فيه بتعيين معين. وأخرى لا يكون بنقل ناقل معين باختياره، وانما يستعمل جماعة من الناس اللفظ في غير معناه الحقيقي لا بقصد الوضع له، ثم يكثر استعماله له ويشتهر بينهم، حتى يتغلب المعنى المجازي على اللفظ في
أذهانهم فيكون كالمعنى الحقيقي يفهمه السامع منهم بدون قرينة. فيحصل  الارتباط الذهني حقيقة في هذا المعنى وهو المنقول التعيني).



-------------------------------------------
(99) هذا من قسمة اللفظ بما هو لفظ واحد (بقيد الوحدة) أو بقيد عدم النظر إلى الألفاظ الأخرى.

(100 ) ويمكن القول انه لا مختص إلا لفظ الجلالة مثل الله واجب الوجود التي هي ذات الله جل جلاله لأن اللفظ حديد مثلًا وان كان قد وضع لجوهر وماهية الحديد إلا أننا يمكن ان نستعمله على نحو المجاز مثلًا في الرجل الشجاع فبهذا يدخل في عنوان الحقيقة والمجاز اما استعمال لفظ الجلالة (الله) في غير معناه فهو غلط وليس مجاز (فأفهم).

(101 ) ممكن القول بدون ان نعلم ايهما الأسبق في الوضع، لأننا لا نعلم بالوضع ولا نعلم من الواضع وفي أي وقت.

(102 ) ذكر المحقق الشريف في التعريفات في باب المشترك: الاشتراك بين الشيئين ان كان بالنوع يسمى (المماثلة) كاشتراك زيد وعمر بالإنسانية وان كان بالجنس يسمى (مجانسة) كإشتراك الإنسان والفرس في الحيوانية وان كان بالعرض. وان كان في الكم يسمى (مادة) كاشتراك ذراع من ثوب في الطول وان كان في الكيف يسمى (مشابهة) كإشتراك الإنسان والحجر في السواد. وان كان بالمضاف يسمى (مناسبة) كاشتراك زيد وعمر في بنوة بكر. وان كان بالشكل يسمى (مشاكلة) كاشتراك الأرض والهواء في الكروية. وان كان بالوضع المخصوص يسمى (موازنة) وان كان بالأطراف يسمى (مطابقة).

(103 ) وقع البحث الأصولي في إثبات ضرورة الاشتراك وعدم منافاته لحكمة الوضع: ببرهان كثرة المعاني وعدم تناهيها
مع كون الألفاظ محدودة ومتناهية فلو فرض اختصاص كل لفظ بمعنى واحد لزم تطابق المتناهي مع اللامتناهي وهو محال.
ولكن الصحيح ان الاشتراك تثبت ضرورته فقط إذا أريد به ما يعم الاشتراك الناتج من الوضع العام والموضوع له الخاص على ما حققه السيد الصدر(قدس سره) في محله. نظراً إلى انه يؤدي إلى كون اللفظ الواحد مشتركاً بين معنيين أو معانٍ ولو بوضع واحد. وذلك لأننا لو فرضنا ثبوت الألفاظ للمعاني بدون الاشتراك فلابد ان نفترض ان لكل ربط ونسبة لفظاً دالاً عليه ولما كان كل ربط مغايراً ذاتاً وماهية لأي ربط آخر ولا جامع بين الربطين ولو كان طرفا الربطين فرديين من جامع واحد فهناك إذن أنحاء من الربط غير متناهية لعدم تناهي الأفراد والجزئيات ولا يتوفر من الألفاظ ما يوازيها عدداً ليكون لكل معنى لفظ يختص به.
واما إذا أريد بضرورة الاشتراك ضرورة تعدد وضع لفظ واحد لمعنيين أو أكثر من اجل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ كما هو المقصود بالاشتراك عند إطلاقه: فهو غير صحيح لورود أكثر من محذور عليه يأتي بيانها واما دفع ما ادعى من مانع من الاشتراك (منافاته لحكمة الوضع) فأنها دعوى غير صحيحة. وذلك لأنه يكفي في إشباع الحاجة اللغوية من الوضع ان يكون إزاء العلة في إفهام المعنى الموضوع له وبعبارة أخرى ان الإفهام الإجمالي (صلاحية اللفظ لأن يكون دالاً على المعنى الحاصل من الوضع) محفوظ في المشترك ايضاً وان كان يحتاج في تعيين إرادة احد المعاني الموضوع بإزاءها اللفظ إلى قرينة معينة.

(104 ) و المنقول كالمشترك و لكن يفترق عنه بأمور هي:
1-في المنقول الوضع لأحدهما مسبوق بالوضع للآخر.
2- ملاحظة المناسبة بين المعنيين في الوضع اللاحق.
3- هجرة المعنى الأول أي ان أردنا استعماله في المعنى الأول لاحتاج إلى قرينة و المنقول على قسمين:
ألتعييني:وهو ان يكون الناقل معيناً و محدداً وأكثر المنقولات في العلوم كأسماء بعض الأدوية و بعض المصطلحات العلمية.
بتعيني:هو ناتج من كثرة الاستعمال وليس له ناقل معين فيحصل الارتباط الذهني بين اللفظ والمعنى فيتحول اللفظ إلى حقيقة في هذا المعنى.

(105 ) سيأتي تطبيق لهذا القسم في علم الأصول، هو البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعية بمعنى صيرورة بعض الأسماء
حقائق في المعاني الخاصة المخترعة من قبل الشارع الذي تترتب على القول بموضوعه ثمرة حاصلها ان القول بالحقيقة الشرعية تظهر ثمرته في النصوص الشرعية التي فيها استعمال هذه الأسماء فأنه على تقدير ثبوت وضع شرعي لها يكون مقتضى أصالة الحقيقة حملها على إرادة المعنى الشرعي بخلاف ما إذا لم تثبت الحقيقة الشرعية فتحمل على إرادة المعنى اللغوي العام ولو فرض الشك في الحقيقة الشرعية كان الاستعمال مجملًا.

(106 ) ان الفرق بين المرتجل والمنقول هو انه لم يهجر المعنى الأول ولم تلحظ فيه المناسبة بين المعنيين ومنه أكثر الاعلام الشخصية، فمثلًا أسمّي شخصاً أسداً لكني لم الحظ المناسبة كالشجاعة بينهما أو أسمّي شخصاً محمد لكني لم ألحظ المناسبة بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن يمكن القول في أكثر الاعلام الشخصية كيف نقول بعدم وجود مناسبة مطلقاً فمثلًا عندما نسمّي محمد فأننا على اقل تقدير نلحظ مناسبة اشتراك هذا المولود مع باقي أفراد محمد بالذكورة ولو لم توجد هذه المناسبة لصح تسميته أنثى بمحمد ! ! نقول كلا لا يصح ذلك لعدم وجود المناسبة، لكن ممكن القول ان هذه المناسبة عامة ونحن نتكلم عن المناسبة الخاصة بين معنى معين ومعنى آخر معين (فأفهم).

(107 ) الحقيقة وهي اللفظ المستعمل في معناه الذي وضع له مثل أسد الذي يطلق على الحيوان المفترس المعروف.

(108 ) المجاز: وهو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لوجود علاقة بين المعنى المستعمل فيه وبين المعنى الموضوع له مثل لفظ أسد عندما يستعمل في الرجل الشجاع والمجازي (في مقام التفهيم والجد ) لا يستعمل إلا مع قرينة، وإذا شك في إرادة المعنى الحقيقي أو المجازي من اللفظ مع عدم وجود القرينة فيقال حينئذ الأصل الحقيقة أي نحمل الكلام على معناه الحقيقي فيكون حجة فيه للمتكلم على السامع وحجة فيه للسامع على المتكلم، فلا يصح من السامع الاعتذار في مخالفته للحقيقة بان يقول للمتكلم: لعلك أردت المعنى المجازي ولا يصح الاعتذار من المتكلم بان يقول للسامع أني أردت المعنى المجازي.

(109 ) ذكر السيد الصدر(قدس سره) ان الدلالة على المعنى المجازي هي دلالة اللفظ على معنى لم يكن مدلولاً له بحسب
القانون اللغوي الأولي العام لعلاقة بينه وبين ما هو مدلوله اللغوي الأولي، ثم قال، ومن هنا تعتبر هذه الدلالة ثانوية ومتفرعة على عدم إرادة المعنى الحقيقي.وقد دار البحث عن المجازي في علم الأصول حول اتجاهين:
الأول: في تشخيص حقيقته من حيث كونه مدلولاً للفظ أو لمرحلة عقلية وراء مرحلة مدلول اللفظ.
الثاني: في مدى حاجة الاستعمال المجازي إلى الوضع.

(110 ) ويسمى ايضاً العامل الكيفي وهو من عين يعين تعييناً.
(111 ) ويسمى ايضاً بالعامل الكمي وهو من تعيّن يتعين تعيناً.