الدلالة
تعريف الدلالة( 77):
إذا سمعت طرقة بابك ينتقل ذهنك لا شك إلى ان شخصاً على الباب يدعوك، وليس ذلك إلا لان هذه الطرقة كشفت عن وجود شخص يدعوك وان شئت قلت: إنها (دلت) على وجوده.
إذن: طرقة الباب (دال) ووجود الشخص الداعي (مدلول) وهذه الصفة التي حصلت للطرقة (دلالة).
وهكذا كل شيء إذا علمت بوجوده، فينتقل ذهنك منه إلى وجود شيء آخر نسميه (دالاً)، والشيء الآخر (مدلولاً)، وهذه الصفة التي حصلت له (دلالة) فيتضح من ذلك ان الدلالة هي: كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر.
أقسام الدلالة
لاشك ان انتقال الذهن من شيء إلى شيء لا يكون بلا سبب وليس السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن. وهذه العلاقة الذهنية أيضاً لها سبب وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن، ولإختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبعية أو بوضع واضع وجعل جاعل.
قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة: عقلية وطبعية ووضعية
1- الدلالة العقلية: وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية في وجودهما الخارجي، كالأثر والمؤثر، فإذا علم الإنسان (مثلاً) ان ضوء الصباح اثر لطلوع قرص الشمس، ورأى الضوء على الجدار ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس قطعاً فيكون ضوء الصباح دالاً على الشمس دلالة عقلية. ( ومثله إذا سمعنا صوت متكلم من وراء الجدار فعلمنا بوجود متكلم ما( 78)
2- الدلالة الطبعية: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعية، اعني التي يقتضيها طبع الإنسان وقد يتخلف ويختلف باختلاف طباع الناس، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلف ولا يختلف( 79 ) وأمثلة ذلك كثيرة فمنها اقتضاء الطبع لبعض الناس ان يقول: (أخ) عند الحس بالألم و(آه) عند التوجع و(أف) عند التأسف و التضجر ومنها اقتضاء طبع البعض ان يفرقع أصابعه أو يتمطى عند الضجر و السأم أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع إصبعه بين أعلى إذنه وحاجبه عند التفكير أو
يتثائب عند النعاس.... فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات فانه ينتقل ذهنه من احد المتلازمين إلى الآخر فعندما يسمع بكلمة (أخ) ينتقل ذهنه إلى ان متكلمها يحس بالألم وإذا رأى شخصاً .( يعبث بمسبحته يعلم بأنه في حالة تفكير وهكذا( 80)
3- الدلالة الوضعية( 81 ): وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح. على ان وجود احدهما يكون دليلاً على وجود الثاني. كالخطوط التي اصطلح على ان تكون دليلاً على الألفاظ، وكإشارات الأخرس وإشارات البرق واللاسلكي والرموز الحسابية والهندسية ورموز سائر العلوم الأخرى، والألفاظ التي جعلت دليلاً على مقاصد النفس.
فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول.
---------------------------------------------------------------------------------------
77) الدلالة لغة هي الإرشاد.
78) وكدلالة الدخان على وجود النار، ورنة الهاتف على وجود شخص متصل ما.
79) الدلالة الطبعية وفيها الملازمة ناتجة من طبع وسجية الإنسان كدلالة صفرة الوجه على الخوف والحمرة على
الخجل وغيرها.
80) لقد قسموا الدلالة إلى ستة أقسام إلا ان بعضهم قد أنكر وجود الدلالة الطبعية غير اللفظية وهو قطب الدين الرازي
وعبد القادر الجرجاني فجعلوا الدلالة خمسة أقسام اما صاحب المقصود فذكر ان الدلالة الطبعية ليس لها وجود سواء
كانت اللفظية أو غير اللفظية فيكون أربعة أقسام للدلالة، وسبب الإنكار لمن أنكر كلًا أو بعضاً من الدلالة الطبعية هو
انهم قد جعلوا سرعة النبض معلول عن الحمى فتكون العلاقة بينهما علاقة العلة والمعلول وتكون الدلالة عقلية لا
طبيعية، ورد عليهم، ان الدلالة العقلية لا تختلف ولا تتخلف أي كالعلة والمعلول وكالأثر والمؤثر والواقع ان سرعة
النبض قد يحصل بعلة أخرى كالركض (مثلًا) فأصبح علتان لمعلول واحد، وهذا مستحيل وبما انهم لم يستطيعوا ان
يردوا هذا الإشكال بل كان مستحكماً عليهم رجعوا تقسيمات الدلالة إلى ستة ولا اعتبار بما قالوا لكن هذا الرد يمكن
دفعه وذلك بان يقال ان قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد تنطبق في موارد الواحد الشخصي اما الواحد النوعي لا
تشمله هذه القاعدة، فالرد على كون الدلالة الطبعية وإنها دلالة عقلية لا طبعية، لو كانت الدلالة عقلية لما تخلف
المعلول عند تحقق علته فنرى اختلاف الطبائع من شخص إلى شخص من مجتمع إلى مجتمع فمثلًا شخص عند الضجر
يفرقع أصابعه بينما شخص آخر يتمطى أو يعبث بمسبحته وآخر بلحيته اما معرفة مصاديق كل حجة فهذا ليس من
مباحث المقام.
81 ) الوضع لغة: هو جعل الشيء بإزاء شيء آخر بحيث إذا فهم الأول فهم الثاني.
واصطلاحاً: هو اختصاص اللفظ بالمعنى وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ-الوضع التعييني: وهو وضع اللفظ بإزاء المعنى حيث ان الواضع يقول أضع لفظ الأسد للحيوان المفترس
(مثلًا) فيكون بوضع واضع وجعل جاعل معين.
ب - الوضع التعيّني: وهو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباطه ويكون ناشئاً من كثرة الاستعمال وهنا المستعمل
ليس واضعاً.
ج - الوضع الاستعمالي: وهنا المستعمل واضع وان لم يصرح بصيغة الوضع (مثلًا) لو رزقت ولداً فعندما تريد ان
تضع له اسم محمد وتريد في نفس الوقت ان تحمله وتقبله فانك تذكر جملة واحدة تفي بالغرضين فتقول لامه
ناوليني محمداً (وهذا معناه إني سميت ابني محمداً وناوليني محمداً).
ولبيان الفرق بين الوضع والاستعمال ان المتكلم تارة يقول أضع لفظ الأسد للحيوان المفترس وأخرى يقول رأيت الأسد
يفترس الحيوان ففي الأولى وهي الوضع يكون ناظراً للأسد (أي للفظ الأسد) نظرة استقلالية (أ، س، د) نضع هذا
اللفظ لهذا المعنى (الحيوان المفترس) اما في الثانية وهي الاستعمال عندما يقول رأيت الأسد في الغابة أو رأيت الأسد
يفترس الحيوان الفلاني (مثلًا) فهذه النظرة تختلف عن النظرة السابقة فهذه النظرة بالاستعمال تسمى نظرة آلية أو
مرآتية أو علامية فالمقصود والمراد أولاً وبالذات هو المعنى اما اللفظ فهو آلة ومرآة لإحضار المعنى وترد على
الوضع بالاستعمال إشكاليات منها اجتماع لحاظين فيه، استقلالي وآلي وغيرها وتفصيل الكلام في مباحث الأصول إن
شاء الله.
تعريف الدلالة( 77):
إذا سمعت طرقة بابك ينتقل ذهنك لا شك إلى ان شخصاً على الباب يدعوك، وليس ذلك إلا لان هذه الطرقة كشفت عن وجود شخص يدعوك وان شئت قلت: إنها (دلت) على وجوده.
إذن: طرقة الباب (دال) ووجود الشخص الداعي (مدلول) وهذه الصفة التي حصلت للطرقة (دلالة).
وهكذا كل شيء إذا علمت بوجوده، فينتقل ذهنك منه إلى وجود شيء آخر نسميه (دالاً)، والشيء الآخر (مدلولاً)، وهذه الصفة التي حصلت له (دلالة) فيتضح من ذلك ان الدلالة هي: كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر.
أقسام الدلالة
لاشك ان انتقال الذهن من شيء إلى شيء لا يكون بلا سبب وليس السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن. وهذه العلاقة الذهنية أيضاً لها سبب وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن، ولإختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبعية أو بوضع واضع وجعل جاعل.
قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة: عقلية وطبعية ووضعية
1- الدلالة العقلية: وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية في وجودهما الخارجي، كالأثر والمؤثر، فإذا علم الإنسان (مثلاً) ان ضوء الصباح اثر لطلوع قرص الشمس، ورأى الضوء على الجدار ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس قطعاً فيكون ضوء الصباح دالاً على الشمس دلالة عقلية. ( ومثله إذا سمعنا صوت متكلم من وراء الجدار فعلمنا بوجود متكلم ما( 78)
2- الدلالة الطبعية: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعية، اعني التي يقتضيها طبع الإنسان وقد يتخلف ويختلف باختلاف طباع الناس، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلف ولا يختلف( 79 ) وأمثلة ذلك كثيرة فمنها اقتضاء الطبع لبعض الناس ان يقول: (أخ) عند الحس بالألم و(آه) عند التوجع و(أف) عند التأسف و التضجر ومنها اقتضاء طبع البعض ان يفرقع أصابعه أو يتمطى عند الضجر و السأم أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع إصبعه بين أعلى إذنه وحاجبه عند التفكير أو
يتثائب عند النعاس.... فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات فانه ينتقل ذهنه من احد المتلازمين إلى الآخر فعندما يسمع بكلمة (أخ) ينتقل ذهنه إلى ان متكلمها يحس بالألم وإذا رأى شخصاً .( يعبث بمسبحته يعلم بأنه في حالة تفكير وهكذا( 80)
3- الدلالة الوضعية( 81 ): وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح. على ان وجود احدهما يكون دليلاً على وجود الثاني. كالخطوط التي اصطلح على ان تكون دليلاً على الألفاظ، وكإشارات الأخرس وإشارات البرق واللاسلكي والرموز الحسابية والهندسية ورموز سائر العلوم الأخرى، والألفاظ التي جعلت دليلاً على مقاصد النفس.
فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول.
---------------------------------------------------------------------------------------
77) الدلالة لغة هي الإرشاد.
78) وكدلالة الدخان على وجود النار، ورنة الهاتف على وجود شخص متصل ما.
79) الدلالة الطبعية وفيها الملازمة ناتجة من طبع وسجية الإنسان كدلالة صفرة الوجه على الخوف والحمرة على
الخجل وغيرها.
80) لقد قسموا الدلالة إلى ستة أقسام إلا ان بعضهم قد أنكر وجود الدلالة الطبعية غير اللفظية وهو قطب الدين الرازي
وعبد القادر الجرجاني فجعلوا الدلالة خمسة أقسام اما صاحب المقصود فذكر ان الدلالة الطبعية ليس لها وجود سواء
كانت اللفظية أو غير اللفظية فيكون أربعة أقسام للدلالة، وسبب الإنكار لمن أنكر كلًا أو بعضاً من الدلالة الطبعية هو
انهم قد جعلوا سرعة النبض معلول عن الحمى فتكون العلاقة بينهما علاقة العلة والمعلول وتكون الدلالة عقلية لا
طبيعية، ورد عليهم، ان الدلالة العقلية لا تختلف ولا تتخلف أي كالعلة والمعلول وكالأثر والمؤثر والواقع ان سرعة
النبض قد يحصل بعلة أخرى كالركض (مثلًا) فأصبح علتان لمعلول واحد، وهذا مستحيل وبما انهم لم يستطيعوا ان
يردوا هذا الإشكال بل كان مستحكماً عليهم رجعوا تقسيمات الدلالة إلى ستة ولا اعتبار بما قالوا لكن هذا الرد يمكن
دفعه وذلك بان يقال ان قاعدة الواحد لا يصدر إلا من واحد تنطبق في موارد الواحد الشخصي اما الواحد النوعي لا
تشمله هذه القاعدة، فالرد على كون الدلالة الطبعية وإنها دلالة عقلية لا طبعية، لو كانت الدلالة عقلية لما تخلف
المعلول عند تحقق علته فنرى اختلاف الطبائع من شخص إلى شخص من مجتمع إلى مجتمع فمثلًا شخص عند الضجر
يفرقع أصابعه بينما شخص آخر يتمطى أو يعبث بمسبحته وآخر بلحيته اما معرفة مصاديق كل حجة فهذا ليس من
مباحث المقام.
81 ) الوضع لغة: هو جعل الشيء بإزاء شيء آخر بحيث إذا فهم الأول فهم الثاني.
واصطلاحاً: هو اختصاص اللفظ بالمعنى وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ-الوضع التعييني: وهو وضع اللفظ بإزاء المعنى حيث ان الواضع يقول أضع لفظ الأسد للحيوان المفترس
(مثلًا) فيكون بوضع واضع وجعل جاعل معين.
ب - الوضع التعيّني: وهو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباطه ويكون ناشئاً من كثرة الاستعمال وهنا المستعمل
ليس واضعاً.
ج - الوضع الاستعمالي: وهنا المستعمل واضع وان لم يصرح بصيغة الوضع (مثلًا) لو رزقت ولداً فعندما تريد ان
تضع له اسم محمد وتريد في نفس الوقت ان تحمله وتقبله فانك تذكر جملة واحدة تفي بالغرضين فتقول لامه
ناوليني محمداً (وهذا معناه إني سميت ابني محمداً وناوليني محمداً).
ولبيان الفرق بين الوضع والاستعمال ان المتكلم تارة يقول أضع لفظ الأسد للحيوان المفترس وأخرى يقول رأيت الأسد
يفترس الحيوان ففي الأولى وهي الوضع يكون ناظراً للأسد (أي للفظ الأسد) نظرة استقلالية (أ، س، د) نضع هذا
اللفظ لهذا المعنى (الحيوان المفترس) اما في الثانية وهي الاستعمال عندما يقول رأيت الأسد في الغابة أو رأيت الأسد
يفترس الحيوان الفلاني (مثلًا) فهذه النظرة تختلف عن النظرة السابقة فهذه النظرة بالاستعمال تسمى نظرة آلية أو
مرآتية أو علامية فالمقصود والمراد أولاً وبالذات هو المعنى اما اللفظ فهو آلة ومرآة لإحضار المعنى وترد على
الوضع بالاستعمال إشكاليات منها اجتماع لحاظين فيه، استقلالي وآلي وغيرها وتفصيل الكلام في مباحث الأصول إن
شاء الله.